رغم الأثر الكبير الذي خلفته الحرب المستمرة في اليمن والانقسام السياسي على المشهد الثقافي العام ومؤسساته بشكل عام، إلا أنّ شعاع الأمل القادم من شرق البلاد عمل ويعمل على إضاءة هذا الجزء المعتم من المشهد اليمني.
إلى ما قبل الحرب التي أعقبت اقتحام الحوثيين العاصمة اليمنية نهاية العام 2014، حافظ المشهد الثقافي اليمني على تماسكه رغم العواصف التي هبت على البلاد بدءًا من الاحتجاجات التي شهدتها محافظات الجنوب تنديدًا بإقصاء الجنوب من إدارة الدولة الموحدة كنتاج لحرب صيف 1994 مرورًا بالانقسام في بنية النظام الحاكم عام 2011.
لكن الوضع تغيّر بعد ذلك فطال الانقسام اتحاد الأدباء والكتّاب ومعظم مكونات المؤسسة المعنية بالثقافة، وعمّق من هذه الأزمة انتهاج الحوثيين خطًا دينيًا متشددًا معاديًا للثقافة في مناطق سيطرتهم.
وعلى مدى السنوات الثلاث الأخيرة برزت محافظة حضرموت كواجهة للأنشطة الثقافية وتجاوزت واقع انقسام المؤسسات الثقافية، وتراجع دور الجهات الحكومية في هذا الجانب، وتستعد المحافظة حاليًا لتنظيم أول معرض للكتاب منذ ما يزيد على عشرة أعوام، كما شهدت المحافظة أنشطة مسرحية وغنائية جعلتها في صدارة الفعل الثقافي في اليمن.
الهيئة العامة للكتاب والنشر والتوزيع حددت نهاية العام الجاري موعدًا لإقامة معرض الكتاب واعتبرت ذلك بداية لاستعادة الأنشطة الثقافية التي توقفت بفعل الحرب، وقالت إنها ستنظم المعرض الذي يقام للمرة الأولى في هذه المحافظة بالشراكة مع مؤسسة حضرموت للثقافة.
محافظة شبوة المجاورة عملت على لملمة آثار الصراع ونظمت المعرض الخامس في المحافظة، وكان آخر معرض لها قبل عامين. شارك 22 دار نشر ومكتبة، محلية وعربية، وبلغت العناوين 15 ألف عنوان و150 ألف كتاب، مع جناح خاص بالإصدارات الشبوانية يحتوي على 54 مؤلف وهو ما يعتبر رقم قياسي من المؤلفات مقارنة بآخر موسم الذي بلغ 30 كتابًا فقط.
واستباقًا لهذا الحدث، أُعلن عن تأسيس جائزة علي أحمد باكثير في الرواية بغرض إثراء الحراك الأدبي والاحتفاء بالمواهب الإبداعية في المجال الروائي.
كما اتفقت مؤسسة حضرموت للثقافة والمجلس الثقافي البريطاني على تجديد شراكتهما، استعدادًا لتنفيذ النسخة الثانية من برنامج منح "مسارات اليمن" الذي يستهدف الفاعلين الثقافيين والفنانين اليمنيين، الذين رأت المؤسسة أنّ البرنامج يمثل فرصةً جديدةً لهم من أجل مشاركة مقترحات مشاريعهم وأفكارهم الإبداعية، فضلًا عن أنه يهدف إلى تعزيز مبدأ الاقتصاد الإبداعي؛ سعيًا إلى خلق فرص عمل جديدة من خلال النتاجات الإبداعية التي ستحققها هذه المشروعات، الأمر الذي سيسهم في تنشيط الحياة الثقافية وتعزيز التفاعل بين أفراد المجتمع وفئاته المختلفة أملًا في بناء مجتمع يمني أكثر تماسكًا وحيوية، يستطيع مواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية.
تجدر الإشارة إلى أنّ البرنامج يقدّم تمويلًا ماليًا للمشاركين، إلى جانب فرص للمشاركة في برنامج مكثف يركز على إدارة المشاريع الثقافية وتعزيز المهارات الفنية والإدارية للمبدعين، مما يتيح لهم تطوير مشاريعهم الثقافية بطريقة احترافية ومستدامة.
وكانت قد وجهت الدعوة في سبتمبر/أيلول الفائت إلى الشعراء والفنانين التشكيليين في اليمن، للمشاركة في مساحةٍ فنية مُلهمة في "مخيم ريشة وقلم" وهو أحد مشاريع قسم الأدب بمؤسسة حضرموت للثقافة، ويُعنى بتوسيع مدارك الشعراء والفنانين التشكيليين في اليمن، لإنتاج أعمال فنية مشتركة، ويستهدف المشروع كل الشعراء والفنانين التشكيليين في عموم البلاد.