حذّر خبراء من إمكانية تحوّل ممرات تهريب المهاجرين الأفارقة الجديدة في مياه خليج عدن، إلى شريان إمداد بحري، يضمن استمرار تموين بالأسلحة والمعدات العسكرية القادمة من إيران.
وسلطت حادثة غرق ما لا يقل عن 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات قبل أسبوع في سواحل جنوب اليمن، الضوء على المسارات الجديدة لشبكات التهريب، في ظل الرقابة الدولية المفروضة والإجراءات المحلية على طول شواطئ البحر الأحمر، التي تسيطر ميليشيا الحوثي على جزء كبير منها.
وبدلا من الطرق البحرية التقليدية في مياه البحر الأحمر، تزايد اعتماد المهرّبين في الآونة الأخيرة، على سلوك مسارات أطول قادمة من القرن الأفريقي مرورا بمياه خليج عدن، للوصول إلى سواحل محافظة أبين والمحافظات القريبة منها جنوبي البلاد؛ الأمر الذي يعزز المخاوف من إمكانية تحوّل هذه الممرات البحرية إلى منافذ جديدة لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين أو إلى حلفائهم في تنظيم القاعدة، المتواجدين بالقرب من السواحل الجنوبية.
وعلى الرغم من وقوع المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية المشرفة على خليج عدن وبحر العرب في نطاق سيطرة الحكومية الشرعية، إلا أن المناطق هذه باتت تشهد نشاطا متصاعدا للعصابات المتخصصة في تهريب البشر والمخدرات والسلاح، وهو ما تؤكده الحملات الأمنية التي نجحت مؤخرا في ضبط خلايا من جنسيات يمنية وأخرى أفريقية، تعمل على تمرير الشحنات المهرّبة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
هندسة جديدة للتهريب
يقول خبير الشؤون الأمنية، عاصم مجاهد، إن أي تغيير في مسارات التهريب البحري بالنسبة لليمن، يجب أن يؤخذ بجدّية كبيرة؛ "لأن الخطر لا يكمن في كون هذه القوارب تحمل مهاجرين من مياه خليج عدن إلى سواحل شبوة أو أبين، بل في كونها عملية إعادة هندسية للبنية التحتية للتهريب".
وقال مجاهد لـ"إرم نيوز"، إن الأمر يتعدى تغيير المسار، "إلى إعادة توزيع للخطوط اللوجستية للتهريب في المنطقة، وإذا لم يُفهم هذا البعد بهذا الشكل، سنظل نتفاجأ بأن السلاح يصل رغم تشديد الرقابة في البحر الأحمر".
وأشار إلى أن شبكات التهريب، سواء كانت مختصة بالبشر أو بالبضائع، "فإنها لا تعمل في فراغ، ففي الغالب تتقاطع وتتشابك مصالحها مع شبكات أخرى، بعضها أكثر خطورة مثل مهربي السلاح أو مهربي المواد المستخدمة في صناعة المتفجرات".
وأوضح خبير الشؤون الأمنية أن مياه خليج عدن "توفّر بيئة مثالية لهذا التحوّل في نشاط التهريب، في ظل تعرّض خطوطه البحرية لمراقبة دولية أقل نسبيا من مناطق البحر الأحمر، التي تمتاز بالسواحل الطويلة والوعرة، فضلا عن قربها من مجتمعات ساحلية تمتهن التهريب منذ عقود، ومن ثم فإن كل هذه العوامل تجعل أي مسار جديد لتهريب المهاجرين، عرضة للتحوّل بشكل سريع إلى ممر للأسلحة".
وأضاف أن الحوثيين قد لا يكونون هم المستفيد الوحيد من المنافذ الجديدة، "صحيح أنهم اللاعب الأكثر استفادة بحكم التمويل الإيراني، لكن لا يمكن استبعاد تنظيم القاعدة أو جماعات متطرفة أخرى، من إيجاد فرصة في هذه المسارات".
وأوضح: "أن القارب الذي ينقل عشرات المهاجرين غير الشرعيين، يمكنه أن يحمل في مخازنه السرّية، صناديق أسلحة أو قطع غيار لطائرات مسيّرة أو مكونات صاروخية، وهذا النوع من التهريب المزدوج ليس جديدا على المنطقة".
وخلال الشهرين الماضيين، عززت الأجهزة الأمنية الحكومية والقوات الجنوبية في محافظة أبين، من انتشارها الأمني والعسكري على سواحل المحافظة، ضمن جهود مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب، في حين نفذت القوات المشتركة خلال الأيام المنصرمة، حملات أمنية استهدفت أوكار المهرّبين المحليين، ومواقع إيواء المهاجرين غير الشرعيين في مناطق أبين المختلفة.
سواحل بلا حماية كافية
من جانبه، قال المحلل العسكري محسن الخضر، إن التعقيدات تتزايد في ظل القيود اللوجستية والتقنية المحدودة التي تواجهها البحرية اليمنية، لتأمين هذه المسارات الجديدة.
ويرى الخضر في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن ضعف الإمكانيات وتراجع قدرات خفر السواحل والقوات البحرية، إثر انقلاب الحوثيين على الدولة واستيلائهم على مقدرات ومعدات هذه القوات، يجعل مهمّة تأمين المياه الإقليمية على امتداد السواحل الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، البالغ طولها قرابة 1600 كيلو متر، في "منتهى الصعوبة والتعقيد".
وذكر الخضر، أن الدعم الدولي للقوات البحرية الحكومية، ما يزال شحيحا، فيما تركزت انظار الأمريكيين والبريطانيين مؤخرا على البحر الأحمر، بحكم عمليات القرصنة التي ينفذها الحوثيون ضد الملاحة الدولية، وما تشهده مياهه من تدفّق متصاعد للأسلحة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا، في حين بقيت الدوريات وقدرات الرقابة البحرية في السواحل المطلة على خليج عدن وبحر العرب في حدودها الدنيا، وهو ما قد يستغّله المهرّبون في إيصال إمدادات الأسلحة إلى البر اليمني.
وقال الخضر، إن مسألة بلوغ الأسلحة المهرّبة إلى وجهتها النهائية في مناطق الحوثي مرورا بالمناطق الحكومية، أمر يمكن أن تتولاه عصابات التهريب التي يحكمها المال، أو شخصيات نافذة مرتبطة بالحوثيين، وذلك بعد أن يتم تخزينها في أماكن سرّية، ومن ثم تهريبها برّا على دفعات بشكل مموّه ومخفي، "وهذا ما يحدث مع العديد من شحنات السلاح المهرّبة برا في مناطق الحكومة، وكذلك الشحنات المموّهة التي تصل عبر الموانئ كبضائع تجارية".
وتمكّنت السلطات الأمنية، الثلاثاء الماضي، من ضبط شحنة طائرات مسيّرة ووحدات تحّكم متقدمة وأجهزة لا سلكية ومعدات عسكرية، داخل 5 حاويات بضائع، قدمت على متن سفينة تجارية من شرق آسيا إلى ميناء عدن، كانت متجهة إلى ميليشيا الحوثي.