1 ديسمبر 2025
30 نوفمبر 2025
يمن فريدم-إسراء الشاهر


مع تصاعد حركة النزوح في السودان بسبب احتدام المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" وما صاحبها من انتهاكات وحشية بخاصة من عناصر الأخيرة، برزت داخل المخيمات والمجتمعات المستضيفة أسواق ناشئة تشكلت استجابة للحاجات اليومية.

توفر هذه الأسواق، على رغم محدودية الموارد، سلعاً أساسية مثل الخضراوات والخبز والملابس المستعملة، إضافة إلى أنشطة صغيرة تمارسها النساء لتأمين الدخل. في حين باتت هذه الأسواق غير الرسمية تمثل ركناً مهماً في اقتصادات النزوح، وتعكس قدرة المجتمعات المتضررة على تنظيم سبل العيش في ظل غياب الهياكل الاقتصادية التقليدية.

قسائم غذائية

تقول فاطمة الرشيد بائعة خضراوات في مخيم نزوح ببورتسودان "أعمل منذ شهرين في بيع الخضراوات والفاكهة في السوق المحلية داخل المخيم، وأعتمد على توريدات يومية من المزارع القريبة أو ما يصل إلينا من التبرعات المنظمة، والمؤسف أنه لا توجد بنية تحتية ثابتة للأسواق، لذلك تعرض البضاعة على الأرض أو في خيام صغيرة موقتة، فالأسعار تتغير حسب العرض والطلب اليومي، ومعظم الصفقات تحصل نقداً أو من طريق تبادل السلع، أحياناً يشتري الزبائن بقسائم غذائية يحصلون عليها من المنظمات، وأحياناً تحصل عمليات تبادل مباشر بين الأسر البائسة".

واستطردت الرشيد "النشاط التجاري يعتمد على عوامل عدة، منها الإمدادات المتغيرة التي تحدد كمية الخضراوات والفاكهة اليومية وحجم المبيعات والطلب المحلي، إذ نجد أن عدد الأسر القادرة على الشراء محدود مما يفرض مرونة في الأسعار، فضلاً عن التنظيم الذاتي للسوق الذي يشمل مشاركة الباعة في توزيع المساحات وضبط تدفق الزبائن لتفادي الازدحام والفوضى".

وأشارت بائعة الخضراوات إلى أن العمل في السوق ليس مجرد بيع، بل إدارة عمليات لوجيستية بسيطة تشمل التنسيق مع الموردين ومراقبة الأسعار اليومية وتقديم الخدمات الأساسية للزبائن، مثل توفير كيس أو وسيلة نقل للسلع.

تنظيم وقت

من جانبها، أوضحت نجلاء طالب، وهي نازحة تدير كشكاً صغيراً لبيع الشاي والوجبات الخفيفة داخل مخيم بالخرطوم، قائلة "أدير نشاطاً يومياً لتوفير دخل لعائلتي، يشمل تحضير الشاي والوجبات الخفيفة وبيعها في أوقات محددة خلال اليوم، فأحياناً أشتري المكونات الأساسية من السوق المركزية أو من الباعة المحليين داخل المخيم، لكن عامة يتطلب النشاط تنظيم الوقت والموازنة بين مهام المنزل والعمل، في حين تحدد الأسعار حسب القدرة الشرائية للزبائن، ومعظم التعاملات تحصل نقداً أو بنظام التبادل، فيما يشمل البيع جميع الأسر داخل المخيم بلا استثناء".

وأردفت طالب "دوري يتعدى البيع البسيط، فهو يشمل إدارة المخزون ومراقبة الموارد وضبط الأسعار اليومية وحساب الأرباح والخسائر، مع مراعاة تقلب العرض والطلب اليومي. هذا العمل يعتمد على التقدير اليومي لكل مورد متاح وتحديد أولويات ما يباع أولاً، لضمان استمرار النشاط وعدم نفاد الموارد قبل نهاية اليوم".

تبادل السلع

من جهتها، قالت سمية آدم، وهي نازحة تعمل في تجارة الملابس المستعملة في أحد مخيمات الخرطوم "أبيع الملابس المستعملة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، معظم هذه الملابس تأتي عبر تبرعات من المنظمات الإنسانية أو من تجار يجلبونها من الخارج".

وأضافت "يتم فرز الملابس المستعملة وفق النوع والجودة، ثم تعرض على أشخاص داخل المخيم، فالزبائن يختارون الملابس حسب حاجتهم والمال المتاح لديهم، وغالباً تكون عمليات الدفع نقداً أو بتبادل سلع بسيطة، بيد أنه تكون الأسعار متغيرة يومياً بحسب الكميات المتوافرة والطلب، وأحياناً تباع الملابس دفعة واحدة لأسر محتاجة بأسعار رمزية".

ومضت تاجرة الملابس المستعملة في القول "التحدي الأساس هو توفير مستمر للسلع، لأن العرض غير ثابت والاعتماد على التبرعات أو التجار المتنقلين يجعل السوق غير مستقرة، لذلك، يجب أن نخطط يومياً لتوزيع البضائع بطريقة تحقق أكبر استفادة ممكنة".

مستويات مترابطة

في السياق ذاته، يشير المتطوع في إحدى منظمات دعم النازحين أحمد أيمن إلى أن "ما يحدث داخل أسواق النزوح هو نموذج اقتصادي قائم بذاته، يعتمد على شبكات محلية للتموين والتوزيع، فالباعة ينقلون السلع من مناطق الإنتاج إلى السوق، بينما تقوم المنظمات بتوفير تدفقات ثابتة من الغذاء والموارد الأساسية لتخفيف الضغط على السكان، وهناك محاولات لتطبيق أنظمة تبادل محددة وتنظيم المساحات لتقليل الفوضى، بما يشمل توزيع الخضراوات والخبز وفق قوائم يومية للأسر، ومراقبة أسعار السلع الأساسية لتجنب تقلبات غير مدروسة".

وواصل أيمن "هذه الأسواق تعمل وفق مستويات مترابطة تشمل الإمداد والتوريد من المزارع القريبة أو التبرعات، إضافة إلى اعتماد سياسة تسعيرية مرنة تعتمد على الطلب والعرض الفعلي وعدد المستهلكين القادرين على الشراء، إلى جانب التوزيع والتنظيم المحلي الذي يشمل التعاون بين الباعة والمجتمع المحلي لتقليل الازدحام وضمان وصول السلع للجميع، فضلاً عن إيجاد آليات مالية بديلة تشمل تبادل السلع والقسائم والتحويلات الخارجية أحياناً لدعم القدرة الشرائية للأسر".

ونوه المتطوع في مجال دعم النازحين بأن "اقتصاد السوق داخل المخيم يعكس قدرة النازحين على التكيف وإدارة مواردهم المحدودة، في وقت تتم العمليات التجارية بصورة منظمة ضمنياً تشمل سلسلة لوجيستية كاملة من المورد إلى المستهلك، مع ضبط حجم الكميات وتوزيع الموارد بطريقة تحقق استمرار النشاط اليومي".

تعاون مجتمعي

الباحثة في النوع الاجتماعي ليلي القاضي تقول إن "النساء في المخيمات أصبح لديهن دور مركزي في اقتصاد النزوح، من خلال العمل في مجال بيع الطعام والمشروبات والخضراوات والملابس وغيرها، فضلاً عن إدارة بعض المحال الصغيرة والخدمات اليومية، فكل هذه الأنشطة تمثل نظاماً اقتصادياً جزئياً تتحكم به النساء، إذ يعملن ضمن آليات غير رسمية تشمل تنظيم السوق والتنسيق مع الباعة الآخرين ومراقبة الموارد لضمان استمرار النشاط، مع الأخذ في الاعتبار قدرات الأسر المختلفة على الشراء".

وبينت القاضي أن "الأسواق التي تديرها النساء تعمل وفق مستويات عدة تشمل إمداد المواد الخام والتسعير اليومي المرن وتنظيم البيع والتوزيع وابتكار حلول لتلبية الحاجات المتغيرة، كذلك تعتمد النساء على التعاون المجتمعي وتقاسم الموارد لتقليل الأخطار الاقتصادية وتأمين استمرارية العمل، فهذه الأسواق تعكس قدرة النساء على إدارة موارد محدودة وتنظيم النشاط الاقتصادي اليومي بطريقة فعالة، حتى في ظل غياب أي دعم رسمي أو بنية تحتية متطورة".

دورة كاملة

في سياق متصل، يقول الباحث الاقتصادي حسن إسحاق "تشكل مثل هذه الأسواق جزءاً من اقتصاد غير رسمي قائم بذاته داخل المخيمات، فالبضائع في هذه الأسواق تمر عبر شبكة توزيع معقدة تشمل التجار المحليين والتبرعات المنتظمة من المنظمات الإنسانية، وتتم مراقبة جودة المعروض من تلك البضائع بخاصة الملابس المستعملة لضمان استخدامها من الأسر والاستفادة منها".

وزاد إسحاق "هذه الأسواق تعمل وفق آليات طلب وعرض خاصة بالمخيمات، فضلاً عن إخضاعها إلى مستوى الموارد المالية للنازحين وقدرتهم على الشراء، إضافة إلى التنسيق مع المتطوعين لضمان وصول البضائع والسلع إلى جميع الأسر المحتاجة".

ولفت الباحث الاقتصادي إلى أن "الأسواق تمثل دورة كاملة مثل توريد البضاعة وفرزها وتنظيم العرض والتسعير المرن وتوزيعها وفق أولويات الحاجات، فهذا الاقتصاد يعكس قدرة السكان على إدارة الموارد المحدودة، ويظهر تنظيم السوق من خلال آليات غير رسمية، بما في ذلك التبادل المباشر واستخدام القسائم أو النقاط والتنسيق بين التجار والمتطوعين لضمان استمرار النشاط التجاري بطريقة فعالة ومستدامة".

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI