خلال الأيام الأخيرة، استولى انفصاليون يمنيون من الجنوب مدعومون من الإمارات، على مساحات شاسعة في شرق البلاد، في تحرك يزعزع المعسكر الحكومي المناهض للحوثيين ويهدد بتعميق الانقسام.
أثار اجتياح المجلس الانتقالي الجنوبي، الذراع السياسية للانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات، لأجزاء كبيرة من محافظة حضرموت النفطية مؤخراً، استياء حلفائه في مجلس القيادة الرئاسي اليمني المدعومين من السعودية.
وتشهد البلاد هدنة هشة منذ العام 2022، لكن من شأن هذه التوترات الجديدة أن تسهم في تقويض آفاق السلام في أفقر بلدان شبه الجزيرة العربية.
ويعيش اليمن انقساماً منذ العام 2014، تاريخ بدء مواجهة دامية بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين باتوا يسيطرون على الشمال والعاصمة صنعاء، والقوات الحكومية التي تحظى منذ العام 2015 بدعم تحالف واسع بقيادة السعودية. لكن هذه القوات باتت مؤلفة من مجموعات عدّة توحدّها معارضتها للحوثيين، لكن لها ارتباطات مختلفة مع الخارج.
من هم الانفصاليون؟
تشكّل "المجلس الانتقالي الجنوبي" على يد عيدروس الزبيدي في 2017 من ائتلاف مجموعات تسعى لإعادة إحياء جنوب اليمن الذي كان دولة مستقلة عاصمتها عدن قبل الوحدة عام 1990. واكتسب هذا الائتلاف نفوذاً خلال الحرب بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات.
ويُعدّ المجلس الانتقالي الجنوبي جزءاً من مجلس القيادة الرئاسي، وهو مؤلّف من ثمانية أعضاء ويشرف على رئاسة الحكومة المعترف بها دولياً، وتتعدّد ولاءات أعضائه.
ويرأس المجلس رشاد العليمي المدعوم من السعودية الذي ندّد بتقدّم الانفصاليين. بينما يشغل الزُبيدي منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
وسبق أن اشتبك المقاتلون الانفصاليين مع قوات موالية للحكومة، لا سيما بين عامي 2018 و2019، حين توصّل الطرفان إلى اتفاق لتقاسم السلطة برعاية سعودية.
ما هدف هجوم الانفصاليين؟
سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي لسنوات على مساحات واسعة من الساحل الجنوبي، بما في ذلك المُكلا، عاصمة حضرموت، أكبر محافظات اليمن.
وأحرز المجلس الانتقالي الجنوبي الأسبوع الماضي تقدّماً في عمق المحافظة، واستولى على مدينة سيئون الرئيسية بالإضافة إلى حقول نفطية في المنطقة الصحراوية في معظمها والمحاذية للسعودية. وواجه المجلس مقاومة محدودة أثناء تقدمه.
وفي الأيام الأخيرة، انضم بعض القادة المحليين في محافظة المهرة المجاورة، وهي منطقة شاسعة على الحدود مع سلطنة عُمان، إلى تحالفهم، وفق ما ذكر المجلس الانتقالي الجنوبي لوكالة فرانس برس.
وكان الهدف من جهة إزاحة زعيم قبلي يمني مقرّب من السعودية كان له النفوذ الأقوى لفترة وجيزة على حقول النفط في حضرموت، ومن جهة أخرى مواجهة الموالين للحكومة في المحافظة والذين يقول المجلس إنهم مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في دول عربية عدة من بينها الإمارات.
كذلك، أكّد المجلس الانتقالي الجنوبي أنه يهدف إلى وقف التهريب عبر المنطقة الصحراوية الشاسعة الذي استفاد منه المتمردون الحوثيون وتنظيم القاعدة.
وبسط المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته فعلياً على معظم أراضي ما كان يعرف بدولة اليمن الجنوبي.
ماذا على المحكّ؟
تقول إليزابيث كيندال من جامعة كامبريدج البريطانية إن الهجوم الذي تخلّلته اشتباكات محدودة، "يوحي بوجود مستوى من التنسيق مع بعض قوات الحكومة على الأقل". وترى أن سرعته ونجاحه يعدّان "دليلاً على إخفاق مجلس القيادة الرئاسي".
وتضيف لوكالة فرانس برس أن مجلس القيادة الرئاسي "أثبت أنه ضعيف ومنقسم وينخره الاقتتال الداخلي ويعجز عن الحكم بفاعلية"، محذّرة من أن مستقبله بات "غير واضح" مع تصاعد المخاوف من إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصال.
لكن مسؤولا حكومياً يمنياً رفيعاً استبعد هذا السيناريو. وقال لفرانس برس، طالباً عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الملف، إن "إعلان دولة جديدة غير قابل للتنفيذ وليس مُجدياً ولا ممكناً"، مضيفاً أن هذا "يتطلب توافقاً وطنياً وإقليمياً ودولياً غير متوافر حالياً".
ويرجّح أن يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إعادة التفاوض بشأن اتفاق تقاسم السلطة داخل المجلس الرئاسي، وسط تقارير عن احتمال استئناف المحادثات بين السعودية والحوثيين.
دعت الرياض قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الانسحاب من الأراضي التي سيطرت عليها مؤخراً في حضرموت والمهرة، وحضّت على خفض التصعيد، فيما شدّد مسؤول إماراتي على أن موقف أبوظبي من اليمن "منسجم مع موقف السعودية".
وتشترك الدولتان الخليجيتان في هدف واحد يتمثّل في مواجهة الحوثيين، فيما تتباين مصالحهما البعيدة المدى.
وترى إليزابيث كيندال من جامعة كامبريدج البريطانية أن الانفصال سيمنح الإمارات "السيطرة على موارد طاقة مربحة وموانئ ومسارات تجارية ومواقع أمنية استراتيجية"، فيما سيترك السعودية "أمام دولة على حدودها يسيطر عليها الحوثيون وتتسم بالعدائية".
وأضافت أن المكاسب التي حقّقها المجلس الانتقالي على الأرض تُعدّ "مقلقة حتماً بالنسبة لسلطنة عُمان"، إذ تنظر مسقط إلى محافظة المهرة على أنها "ساحتها الخلفية".
(DW عربية)