"الحشاشُون" أو " الحشاشين" أو "الحشيشية" فكرة، والفكرة خطرها اكبر ممن يحملونها؛ انها تنتشر وتتكاثر كالفيروسات المدمرة.إنها ليست ثورة كما يقول الحشاشون القدامى والجدد.
الثورة فكرة للحياة والمستقبل وأصحاب ايدلوجية الحشاشين، وعقيدتهم واستراتيجيتهم العسكرية القائمة على اغتيال الجسد والعقل معاً، ويقوم بها انتحاريون أو "فدائيون"، فكرة للموت والظلامية واستلاب العقل والإيغال في الظلم والقتل والدماء؛ الإيغال في تكريس الخرافة التي تبنى عليها فكرة القتل، ومكافأة القاتل المجرم والمنتحر من أجل الخرافة والوهم بفكرة "حور العين"، أو كما اسماها المؤرخ الإيطالي ماركو بولو في كتابة عن الحشاشين ب"أسطورة الفردوس".
لقد تحول استغلال فكرة "الحور العين" الآن الى محفز على القتل، أو الإنتحار، ومكافأة للقتلة.. جماعات استلبت وما تزال حتى اليوم تستلب كل شيء.
وأنا أتابع مسلسل "الحشاشين" خلال شهر رمضان وجدت نفسي أُسقط ما كان يمارسه الحشاشون، على القتلة أو الاغتياليين الجدد الذين تتناسل أفكارهم وأيديولوجيتهم الظلامية على الدوام، وعلى واقعنا الحالي، وما يمارسة الحشاشون الجدد في حياتنا من قتل و دمار، وتفجير ونسف للمنشآت والقيم والمبادئ إجمالا، وتدمير وتنكيل بالحياة كلها، تحت شعار ومبرر "الجنة" و"نعيم الجنة" و"حور العين".. نعم الجنة التي حولوها إلى وسيلة يستخدمها الحشاشون بألوانهم المختلفة كمحفز على القتل والدمار والخراب والتنكيل بالمجتمع والناس. " الحشيشية" ليست طائفة تاريخيّة وكفى؛ إنها فكرة تتناسل على الدوام و تنتج حشاشين جدد في كل زمن، و لكل زمن عالمه من الحشاشين القتلة والموغلين في الظلم. إنها مزيج من العنف والجهل والتجهيل المقدس.
لكل جماعة من هؤلاء الحشاشين و العالقين في دهاليز التاريخ و الماضي، وسيلتها في الوصول إلى أهدافها التدميرية، واغتيال المجتمعات وتفخيخها بالجهل والخرافة والخراب والموت.
قتل الحسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين في القرن الحادي عشر الميلادي، و"صاحب مفتاح الجنة"، ولم تقتل فكرته أو أيدلوجيته.
دمر المغول قلعة "ألموت"، التي كانت مقراً لهذه الجماعة ومركزاً لإغواء الاغتياليين والقتلة، وجرى التنكيل بأصحاب فكر قلعة الظلم، لكن ما بين فترة وأخرى من التاريخ، يظهر لنا حشاشون جدد بقبعات دينية، وطائفية مختلفة؛ يعتنقون عقيدة القتل ويكرسون فكرة وأيديولوجية الموت بين أنصارهم بأوهام مختلفة.
الجماعات الدينية التي تنطلق من فكرة الموت والقتل والدمار ونسف الحياة هي امتداد طبيعي للحشاشين.
الحشاشون الجدد ما هم إلا من نسل وجينات "الحسن الصباح" وفكرته المميته؛ تعزيز فكرة الموت ليس إلا، لأن الموت هو عمود وإكسير حياة فكرة الموت التي ينادون بها، وتقوم عليها دولتهم، ويناضلون من أجلها. إنهم أصحاب تمجيد وتبجيل فكرة ثورة الموت، وشهوة الفوضى واللاعقل، والأساطير القديمة والجديدة.
فكرة نمت وأينعت في عدد من البلدان منها أفغانستان والعراق ولبنان واليمن وسوريا ومناطق أخرى، ولم تخلف سوى الموت والخراب.
وكل يوم تجدها تعمل تحت يافطة وقبعة جديدة، خلاصتها التحول من مزاعم "الجهاد المقدس إلى الإرهاب المقدس في افغانستان" حسب كتاب الزميلة والأستاذة الصحفية الكبيرة "كاثي جانون" التي غطت منذ ثمانينات القرن الماضي الصراع في أفغانستان، ورصدت فيه التحولات التي عاشتها البلاد.
جماعات تزعم شيء، و تمارس نقيضه. تزعم أن معركتها معركة إيمان، لكنه إيمانها فقط بالعنف غايةً ووسيلة. إيمان وهم امتلاك ناصية الحق والحقيقة وهم في "غيهم يعمهون".
إن جماعات الحشاشين القدامى والجدد هي جماعات تتخذ من الدين وسيلة بيع وهمهما وضلالها، وأفكارها الاستعلائية المنحرفة. جماعات تزعم أنها تقاوم الظلم وتنشد العدالة والتحرر من الظلم والطغيان وامتلاك سيادة القرار، وأنها صاحبة "مشاريع إيمانية"، بينما وسيلتها لتحقيق ذلك هو الإيغال في الظلم والانتهاكات لكل القيم والإفراط في استخدام القوة، والإخضاع للناس، بشكل مهين ومذل، بالطغيان والجبروت ومنطق القوة وغلبته، والارتهان للخرافة.
إنها فكرة تكريس الوهم، وتحويل المعتقدات الدينية إلى أداة لتخدير الناس، وتسييرهم كقطعان لخدمة فكرة الموت، لخدمة أرباب هذه الفكرة والمستفيدين منها؛ وتحويل المغرر بهم من الناس إلى ذخائر لخدمة مشروع الموت. نعم تقوم بـ"قصف العقول"، وغسل أدمغة المغرر بهم من الشباب والصبية بالخرافة والتجهيل، وآلة البروباغاندا حتى تحولهم إلى أحزمة محشوّة ببارود الجنون، وأدوات للموت.
وحدهم المغفلون من يقعون في شراك هؤلاء، وهم لا يدركون مقولة الكاتب الإنجليزي الكبير والخالد وليام شكسبير في مسرحيته الملك لير"الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة".
(من حساب الكاتب عبر منصة إكس)