19 يوليو 2025
17 يوليو 2025

 

في سابقةٍ خطيرة لم يشهدها الاقتصاد اليمني من قبل، أقدمت جماعة الحوثي على إصدار عملات جديدة – مزوّرة وغير قانونية – من فئتي (50 ريالًا معدنية) و(200 ريال ورقية)، في خطوة عدوانية تمثل تصعيدًا اقتصاديًا ممنهجًا ضد النظام المالي اليمني، وتجاوزًا صارخًا لاتفاق خفض التصعيد الاقتصادي الموقع برعاية الأمم المتحدة.

أولًا: ما المقصود بـ"إغراق السوق بالنقود"؟

يشير هذا المصطلح إلى ضخ كميات كبيرة من العملة في الأسواق دون أن يقابلها إنتاج فعلي أو احتياطي نقدي أو غطاء قانوني، مما يؤدي إلى:

• ارتفاع معدلات التضخم وتآكل القوة الشرائية.

• تفاقم الفقر واتساع الفجوة الطبقية.

• فقدان الثقة بالعملة المحلية.

• تقويض النظام النقدي بأكمله.

ويُعدّ ذلك بمثابة تفجير داخلي للاقتصاد من خلال أدوات نقدية زائفة تفرغ الريال من قيمته ومضمونه.

ثانيًا: إغراق متعمّد وممنهج في اليمن

إن إقدام الحوثيين على صك عملة معدنية جديدة (50 ريالًا)، ثم إصدار ورقة نقدية مزوّرة من فئة (200 ريال)، لا يمكن تفسيره كخطوة تقنية لمعالجة نقص السيولة، بل هو امتداد لحرب اقتصادية بدأت منذ سنوات، ويجري تصعيدها بوتيرة خطيرة، وتهدف إلى:

• تقويض النظام المصرفي الرسمي.

• إخضاع التداول النقدي لهيمنة الجماعة.

• فرض سياسة نقدية أحادية، غير قانونية، خارج إطار البنك المركزي اليمني الشرعي.

وقد كشفت تقارير صحفية واستخباراتية أن جماعة الحوثي لجأت إلى شبكة تهريب دولية – بإشراف "رضا حيدري"، المصنَّف دوليًا على قوائم العقوبات – للحصول على آلات طباعة وأحبار وأوراق مؤمّنة لتزوير العملة، منذ عام 2017.

ثالثًا: التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب النقدية

1-تفتيت الوحدة النقدية:

ازدواجية الطباعة (عدن وصنعاء) تُحدث شرخًا في الكتلة النقدية وتفقد الريال وظيفته كعملة وطنية موحدة.

2-التضخم وانهيار القدرة الشرائية:

الطباعة دون غطاء تؤدي إلى تضخم جامح يُنهك الفقراء ويُفقر الطبقة الوسطى.

3-شلل النظام المصرفي:

فرض التداول بالعملة المزورة يُجبر البنوك على مخالفة القوانين أو يعرّضها للعقوبات، ما يؤدي إلى تعطيل التحويلات والاستثمارات.

4-انهيار الثقة بالعملة:

سيلجأ المواطنون إلى بدائل مثل الدولار، الريال السعودي، الذهب، والعملات الرقمية، ما يُفقد الدولة أدواتها النقدية.

5-غسل الأموال:

تُستخدم هذه العملات، كما حذّر البنك المركزي، في تمويل أنشطة غير مشروعة ضمن شبكات إقليمية ودولية.

رابعًا: وهم "ثبات" سعر الصرف في مناطق الحوثيين

تحافظ جماعة الحوثي على سعر صرف وهمي (535 ريالًا للدولار)، من خلال:

- إجبار شركات الصرافة على التقيد بسعر مصطنع.

- السيطرة على الكتلة الدولارية بالترهيب والمنع.

- دعم غير معلن من قنوات مالية إيرانية.

لكن هذا الثبات هشّ وسينتهي إلى:

• اتساع السوق السوداء.

• تعويم فعلي للعملة.

• فقدان السيطرة على حركة النقد.

خامسًا: سيناريو الانهيار.. إلى أين قد يصل سعر الصرف؟

في حال استمرار الطباعة دون غطاء وتآكل الثقة:

- قد يبلغ سعر الدولار في صنعاء ما بين 2300 إلى 2600 ريال خلال أشهر.

- وقد يتجاوز سعر الصرف في مناطق الحوثيين نظيره في المناطق المحررة لأول مرة.

أما في المناطق المحررة، فيتراوح سعر الصرف حاليًا بين (2861 – 2880 ريالًا للدولار)، ضمن نظام نقدي رسمي معترف به دوليًا ويخضع للعرض والطلب.

سادسًا: انقلاب حوثي على اتفاق خفض التصعيد

في يوليو/تموز 2024، أُعلن عن اتفاق أممي بين الحكومة الشرعية والحوثيين لوقف الإجراءات التصعيدية المصرفية. إلا أن الجماعة انقلبت عليه بإصدار عملات جديدة، ما شكل:

- تحديًا مباشرًا للمبعوث الأممي.

- تقويضًا لجهود التهدئة الاقتصادية.

- فضحًا للتواطؤ أو العجز الدولي.

ويُذكر أن المبعوث الأممي لم يُصدر أي موقف تجاه التصعيد الحوثي الأخير، في حين كان سريعًا وحازمًا في مهاجمة قرارات البنك المركزي في عدن قبل عام، ما أدى إلى استجابة السلطة الشرعية بتجميد تلك القرارات ووقف الإجراءات المتخذة.

سابعًا: الموقف الرسمي والدولي

• الرئيس رشاد العليمي دعا لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية اقتصاديًا.

• سفراء الاتحاد الأوروبي أكدوا أن البنك المركزي في عدن هو الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بإصدار العملة.

• البنك المركزي اليمني وصف العملات الحوثية بـ"العبث النقدي" و"التمويل الإرهابي".

ثامنًا: ازدواجية المبعوث الأممي.. صمتٌ مُريب!

كما هو معلوم، سارع المبعوث الأممي العام الماضي إلى مهاجمة قرارات البنك المركزي اليمني في عدن، عبر رسالة عاجلة وطارئة وجّهها إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، طالبًا فيها التراجع الفوري عن تلك القرارات.

لكن في المقابل، لزم الصمت الكامل تجاه الإجراءات الحوثية الأخيرة المتمثلة في تزوير العملة وإغراق السوق بها، ما أثار موجة غضب شعبي عارمة، وطرح تساؤلات جادة حول نزاهته وحياديته.

وقد وصف كثيرون هذا الصمت بـ"التواطؤ الصريح"، فيما اعتبره آخرون "فشلًا أخلاقيًا ومهنيًا" في حماية سيادة الدولة اليمنية، ومحاباة واضحة لجماعة متمرّدة تمارس عدوانًا اقتصاديًا على شعب بأكمله.

تاسعًا: توصيات استراتيجية لمواجهة الكارثة القادمة

1-المطالبة دوليًا بتصنيف الطباعة الحوثية كجريمة تمويل إرهاب وغسل أموال.

2- تحصين النظام المصرفي في المناطق المحررة وتوحيد السياسة النقدية.

3-إطلاق حملات توعية داخلية حول مخاطر تداول العملات الحوثية.

4-منع تهريب أدوات التزوير بالتنسيق مع الحلفاء.

5-دعم العملة الرسمية عبر سياسات نقدية ومالية فاعلة.

ختامًا

ما يحدث ليس عبثًا عابرًا، بل حرب مالية تدميرية تهدف إلى إسقاط الدولة ومؤسساتها من الداخل.

وإذا لم يُقابل هذا العدوان النقدي بموقف وطني موحد، ودعم إقليمي ودولي حازم، فإن الريال سيسقط ومعه المجتمع.

الأخبار المشابهة
7 سبتمبر 2022 م
22 سبتمبر 2022 م
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI