19 يوليو 2025
19 يوليو 2025

 

حينما تضعف الدولة أو تغيب، تظهر إلى الوجود المرجعيات الطائفية والقبلية والعشائرية والعرقية والجهوية، وغيرها من عصبيات وتكوينات ما قبل الدولة، وتعمل جميعها على اقتسام ميراث الدولة، كلٌ بما لديها من قدرات ومساحات داخل المجتمع.

وحينما تبدأ الدولة باستعادة مكانتها عليها أن تتجنب الصدام مع هذه المرجعيات، وأن لا تلجأ إلى العنف في إعادة ترويضها وتذويبها في الدولة، وخاصة في الحالات التي لا تكون فيها هذه المرجعيات هي المسئولة عن ضعف أو انهيار الدولة، أي أنها لم تقاوم الدولة سابقًا أو قاومتها في إطار وطني، وكانت مكونًا من مكوناتها الدستورية. 

وهو مايعني أن ظهور هذه المرجعيات، بما تمثله من عصبيات، إنما كان نتيجة طبيعية للانهيار الذي تسببت فيه عوامل أخرى، على رأسها فشل النظام السياسي. 

ولهذا يمكن القول إنها قامت في تلك الأثناء بوظيفة اجتماعية شكلت استجابة، من نوع ما لحماية المجتمع بفئاته وتكويناته وعصبياته من الآثار الخطيرة المترتبة على ضعف أو انهيار الدولة.

على مشروع الدولة الجديد أن يعي هذه الحقيقة، وأن يتعامل معها بقدر كبير من الوعي والحذر، وبذل الجهد في استعادة ثقة المجتمع بالدولة. 

إن استعادة الثقة بالدولة لن يأتي عبر استخدام القوة وإنما عبر الحوار والانصات إلى ما يشكل الهم الرئيسي للناس، والتفاهم على قاعدة المصالح المشتركة، والتوافقات الوطنية في إدارة الدولة وتكوين نظامها السياسي، والفرز الموضوعي للأولويات، وتقديم البراهين على أن الدولة -المراد إعادة انتاجها- ستؤمن العدل والمساواة، وحفظ وصيانة حقوق الجميع كمواطنين، وهو عمل ستتخلله الصعوبات الناشئة عن عدم الثقة التي زرعت بسبب انهيار الدولة وانكشافها على حالة من الخوف الذي أصاب الناس وجعلهم يهرعون إلى المخابئ والمظلات التي وفرتها تكوينات ما قبل الدولة.

إن ذلك المواطن الخائف بسبب انهيار الدولة، والذي اضطر إلى حمل السلاح البسيط ليحمي نفسه من المجهول، تحت مظلة هذه العصبية أو تلك، يحتاج إلى جهد عظيم وصادق من قبل "مشروع الدولة الجديد" ليكسب ثقته من جديد بأن مستقبلًا مستقرًا وعادلًا ينتظره بعد أن خابت آماله في الدولة التي كان قد أعطاها جانبًا كبيرًا من حياته وأسرته.

استعادة وعي الناس بقيمة الدولة في المجتمعات التي انهارت فيها، لا يحتاج إلى السلاح، ولا إلى تصنيفٍ يقسِّم الناس إلى أكثرية وأقلية، ولا إلى استعراض عصبية قوية في مواجهة عصبية أضعف، بقدر ما يكون في حاجة إلى مسار سياسي فيه من الوضوح، بخصوص طبيعة الدولة المراد إعادة انتاجها، ما يرد على الأسئلة التي يطرحها الناس في سياق منحها الثقة، وفيه من الحزم ما يمنح هذا الوضوح القدرة على تجاوز حالات التطرف بقدر كبير من الحكمة التي من شأنها أن تفوت الفرصة على إعادة انتاج العصبيات على نحو متطرف يجعل بناء الدولة عملًا مستحيلًا.

أتمنى لسوريا أن تغادر هذا الحال ، واعتقد أنها قادرة على ذلك، بعد أن كانت قد غادرت بارادة أبنائها مأزق ارتباطها بالمشروع الايراني الذي شكل أكبر خطر تعرضت له منطقتنا العربية منذ قيام الدولة  الوطنية فيها.

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI