29 يوليو 2025
28 يوليو 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-عيسى النهاري
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أثناء رئاسته المؤتمر بالاشتراك مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو (أ ف ب)


بدأت اليوم الإثنين في نيويورك أعمال "مؤتمر حل الدولتين" الذي تترأسه السعودية وفرنسا في الأمم المتحدة لحشد الدعم الدولي بغية إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، إضافة إلى تحقيق أهداف آنية ومنها وقف إطلاق النار في غزة وتخفيف المعاناة الإنسانية.

وينظَم المؤتمر على مدى يومين، إذ كان من المقرر عقده خلال يونيو/ حزيران الماضي لكن الحرب بين إيران وإسرائيل أجلته إلى يوليو/ تموز الجاري، وسط تطلعات عربية بأن تعلن دول جديدة عزمها الاعتراف بدولة فلسطين وتزداد الضغوط على إسرائيل.

ما أهمية المؤتمر؟

يقام المؤتمر بعد أيام من إعلان فرنسا الجريء عزمها الاعتراف بدولة فلسطين أثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل، وبالتزامن مع تزايد تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من تداعيات المجاعة في غزة والتي أقر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب قائلاً إن "هناك مجاعة حقيقية ولا يمكن تزييف تلك الحقيقة".

ويحمل قرار فرنسا أهمية كبرى كونها أول دولة من "مجموعة السبع" تعترف بفلسطين، مما وضع الدول الغربية الكبرى ومنها بريطانيا أمام دعوات وضغوط متزايدة إلى اتخاذ خطوة مماثلة، على رغم معارضة الولايات المتحدة لما تعتبره خطوات أحادية مضرة بمسار السلام.

ويأتي المؤتمر في ظرف دقيق لإحياء المساعي الرامية إلى تنفيذ حل الدولتين بعد أعوام من التشكيك بإمكان تطبيقه، ولزيادة الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو المكونة من أصوات يمينية متطرفة تعارض حل الدولتين، على رغم أن حليفتها الولايات المتحدة والقوى الغربية تدعم هذا المقترح.

كيف ولدت فكرة المؤتمر؟

توضح وثيقة فرنسية خاصة نشرتها "اندبندنت عربية" في مايو/ أيار الماضي أن فكرة مؤتمر حل الدولتين ولدت بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية في ديسمبر/ كانون الأول 2024، إذ توصل إلى تفاهم مع ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان لتنظيم اجتماع دولي من شأنه حشد الدعم لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

وأوضحت الوثيقة أن "الوحدة العربية خلف الموقف السعودي مبررة للغاية"، مشددة على موقف باريس الرافض لـ "الخطة الإسرائيلية" لتهجير سكان غزة نظراً إلى تداعياتها السلبية على استقرار دول المنطقة، وبخاصة مصر والأردن. كما عرضت الخطة خمس نقاط رئيسة لتحقيق حل سياسي دائم بين فلسطين وإسرائيل، وهي وقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن ونزع سلاح "حماس" وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية، مع التزام إقليمي ودولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

موقف رئاسة المؤتمر

وتتشارك السعودية وفرنسا رئاسة المؤتمر مما يشكل رمزية وثقلاً عربياً وغربياً، إذ تعتبر الرياض أن بناء دولة فلسطينية مستقلة هو المفتاح الحقيقي للسلام في الشرق الأوسط، كما أوضح وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان خلال افتتاح المؤتمر اليوم الإثنين، وكذلك ترى باريس أن الاعتراف بدولة فلسطين أداة فاعلة لحل النزاع وتحقيق تطلعات الفلسطينيين المشروعة، وقد أوضح وزير خارجيتها جان نويل بارو أخيراً أن دولاً أوروبية أخرى "تؤكد عزمها الاعتراف بدولة فلسطين".

ويرى المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية ريتشارد غوان أن المؤتمر تم التقليل بأهميته إلا أن إعلان ماكرون غيّر كل شيء، مضيفاً أن "مشاركين آخرين سيدرسون على عجل ما إذا كان عليهم أن يعلنوا أيضاً نيتهم الاعتراف بفلسطين".

وتعد بريطانيا من الدول التي تريد فرنسا إقناعها بالاعتراف بدولة فلسطينية، إلا أن رئيس الوزراء كير ستارمر جدد تأكيده الجمعة الماضي أن الاعتراف "يجب أن يندرج في إطار خطة أشمل"، فيما لا تنوي ألمانيا الإقدام على هذه الخطوة "على المدى القصير".

كم عدد الدول التي اعترفت بفلسطين؟

باتت 142 دولة من الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين المعلنة ذاتياً عام 1988، وفقاً لرصد أجرته "وكالة الأنباء الفرنسية"، ففي عام 1947 نص قرار صادر عن "الجمعية العامة للأمم المتحدة" على تقاسم فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين مستقلتين، واحدة يهودية والأخرى عربية، وخلال العام التالي أُعلن قيام دولة إسرائيل، ومنذ عقود عدة تدعم غالبية الأسرة الدولية مبدأ حل الدولتين، أي قيام دولة إسرائيلية إلى جانب دولة فلسطينية تعيشان في وئام وأمن.

لكن مع مرور أكثر من 21 شهراً على بدء الحرب في غزة والتوسع الاستيطاني داخل الضفة الغربية المحتلة وإعلان مسؤولين إسرائيليين نيتهم ضم الضفة الغربية ازدادت مصاعب قيام دولة فلسطينية، وفي مسعى إلى معالجة تلك التحديات أتت فكرة عقد المؤتمر الذي ينتظر أن يشارك فيه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى وعشرات الوزراء من دول العالم.

ما هي أولويات المؤتمر؟

من المرتقب أن يتمخض عن المؤتمر خريطة طريق لإقامة دولة فلسطينية، وتتضمن خطوات محددة تبدأ بإنهاء الحرب في غزة إضافة إلى الدفع باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين، كما سيركز المؤتمر على إصلاح السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حركة "حماس" واستبعادها من السلطة.

وفي وثيقة أُرسلت إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في مايو الماضي، أوضح البلدان المنظمان أن "الهدف الأساس للاجتماع هو تحديد الإجراءات التي ينبغي على جميع الأطراف المعنية اتخاذها لتنفيذ حل الدولتين، وحشد الجهود والموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف من خلال التزامات ملموسة وضمن إطار زمني محدد".

وقالت الدبلوماسية السعودية منال رضوان والتي قادت وفد بلادها خلال المؤتمر التحضيري، إن الاجتماع "يجب أن يرسم مساراً للعمل لا التأمل، ويجب أن يستند إلى خطة سياسية موثوقة لا رجعة فيها تعالج جذور النزاع وتقدم طريقاً حقيقياً نحو السلام والكرامة والأمن المتبادل".

ووزّع المنظمون وثيقة ختامية قد يجري اعتمادها وربما تعلن بعض النيات للاعتراف بدولة فلسطين، وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المشاركين بعد إعلان عقد الاجتماع إلى "الإبقاء على حل الدولتين حياً"، مؤكداً أن على المجتمع الدولي ألا يكتفي بدعم الحل الذي يقضي بوجود دولتين مستقلتين، بل أن "يوفر الظروف اللازمة لتحقيقه فعلياً".

وأفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بعدم توقع أي إعلان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال المؤتمر، لكن وزير الخارجية الفرنسي أكد أن "الدول العربية ستندد للمرة الأولى بـ 'حماس' وتدعو إلى نزع سلاحها، مما سيكرس عزلها نهائياً".

وقال السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور الأسبوع الماضي إن المؤتمر "يوفر فرصة فريدة لتحويل القانون الدولي والاجماع الدولي إلى خطة واقعية، مع إثبات العزم على إنهاء الاحتلال والنزاع".

من يحضر ومن يغيب عن المؤتمر؟

دُعيت جميع الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة إلى حضور الاجتماع، ويتوقع دبلوماسي فرنسي أن يشارك نحو 40 وزيراً، وفي المقابل تغيب إسرائيل والولايات المتحدة عنه، إذ سبق وأعلنت واشنطن مقاطعتها للقمة الدولية التي ترى أنها "تأتي بنتائج عكسية وتضر بجهودها لإنهاء الحرب في غزة".

ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حل الدولتين لأسباب قومية وأمنية، بينما تعتبر قاعدته السياسية من المتدينين والقوميين أن الضفة الغربية جزء من الوطن اليهودي التاريخي، ويجمع الإسرائيليون تقريباً على اعتبار القدس عاصمتهم الأبدية. وتعارض تل أبيب حل الدولة الواحدة خشية فقدان الغالبية اليهودية، إذ يشير تحليل لـ "أسوشيتد برس" إلى أن نتنياهو يفضل الحفاظ على الوضع القائم، حيث تسيطر إسرائيل على معظم الأراضي ويتمتع الإسرائيليون بحقوق كاملة، بينما يمنح الفلسطينيون حكماً ذاتياً محدوداً في جيوب من الضفة الغربية مع توسع المستوطنات الإسرائيلية تدريجاً.

وفي المقابل يصف الفلسطينيون إسرائيل بأنها "نظام فصل عنصري" ويتهمونها بتقويض مبادرات السلام عبر توسيع المستوطنات وتهديدهم بضم أراض إضافية، مما يقوض إمكان قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً.

وبعقد المؤتمر تتكثف الضغوط الدولية على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة التي اندلعت إثر هجوم حركة "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وستكون الكارثة الإنسانية التي يشهدها القطاع المحاصر والمدمر في صلب خطابات ممثلي الدول المشاركة في القمة الدولية.

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI