11 أغسطس 2025
7 أغسطس 2025
يمن فريدم-UNICEF YEMEN


في مديرية حبيل جبر بمحافظة لحج في اليمن، تحوّل مركز متواضع لصحة الأم والطفل إلى شريان حياة للأسر التي تكابد الفقر والنزوح وعقود من الوضع الهش.

هذا المرفق - الذي كان يُعاني من نقص الموارد والتهميش - يعكس اليوم تحولًا أوسع على المستوى الوطني، حيث تجري إعادة بناء نظام الرعاية الصحية الأولية في اليمن، الذي كان على وشك الانهيار، بشكل تدريجي ولكن ملموس، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الدعم المقدم من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.

"أصبح كل شيء متوفراً الآن".. الأمهات يستعدن إمكانية الحصول على الرعاية

في صباح يوم مزدحم، تصل زينب محمد إلى المركز مع طفلها البالغ من العمر عامين. وتقول وهي تحتضن طفلها: "لقد تلقى لقاحي الحصبة وشلل الأطفال والفيتامينات، كما تم علاجه من الحمى".

وتضيف: "في السابق، كنا نضطر للسفر لمسافات طويلة، ولم نكن قادرين على تحمل رسوم المستشفيات أو ثمن الدواء، ولكن هذا المركز مجاني وآمن".

إن تجربة زينب هي نتيجة مباشرة للاستثمارات الأخيرة في خدمات الرعاية على الخطوط الأمامية. ففي الفترة ما بين ديسمبر 2024 ومارس 2025، حصل 150 مرفقًا صحيًا في جميع أنحاء اليمن، بما فيها هذا المركز، على دعم تشغيلي من الصندوق الكويتي.

وقد أُعيد تزويد هذه المرافق بالمستلزمات الأساسية كالمطهرات والصابون ومقاييس الحرارة والقرطاسية، مما أسهم في توفير بيئة عمل أكثر أمانًا ونظافة وفعّالية.

من النقص إلى الاستقرار.. كيف يُعيد العاملون الصحيون بناء الخدمات

التغييرات التي تمت ملموسة أيضًا بالنسبة للعاملين في المركز. وفي هذا الصدد، تقول قات محمد، مسؤولة الصحة الإنجابية في المركز: "لقد مررنا بظروف صعبة للغاية، حيث كان هناك غياب تام للمستلزمات، ولم نتمكن من تطبيق معايير النظافة. أما الآن، فلدينا اللقاحات، وبيئة عمل آمنة، وخدمات أكثر انتظامًا".

ومع ذلك، ما يزال المركز يعمل تحت ضغط كبير. وتضيف قات: "نحن بحاجة ماسة إلى المزيد من الموظفين. ففي أحد الأيام، جاءت أم من قرية نائية بعد أن وضعت في المنزل، وكانت تُعاني من احتباس المشيمة واحتباس البول. بالكاد تمكنّا من تحقيق استقرار حالتها في الوقت المناسب".

تُسلط قصتها الضوء على كيفية تعامل فرق الخطوط الأمامية، ليس فقط مع التحصين الروتيني، بل وأيضًا مع التدخلات الحرجة بموارد محدودة. ففي الفترة ما بين أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025، قامت منظمة اليونيسف – بتمويل من الصندوق الكويتي – بتوزيع مستلزمات الرعاية الصحية الأولية على 288 مرفقًا، وتجديد مخزون اللقاحات الوطني بأكثر من مليون جرعة من لقاح السل و200 ألف جرعة من لقاح الكزاز والدفتيريا، بالإضافة إلى تدريب العاملين الصحيين على الوقاية من العدوى وإدارة الحالات.

الاستثمار في الأنظمة، وليس في المستلزمات فحسب

تقول بلقيس عبد الحميد، مديرة المركز، إن الفارق شاسعٌ كالفرق بين الليل والنهار. وتوضح: "في السابق، كانت خدمات رعاية الطفولة والتغذية شبه منعدمة. وكانت حالات الالتهاب الرئوي والإسهال شائعة، ولكنها انخفضت بشكل ملحوظ منذ توفر اللقاحات".

شيئًا فشيئًا، بدأت ثقة المجتمع بالعودة. ويقول محمد عثمان، وهو أب لطفلين: "بدأ الناس من القرى المجاورة يأتون إلى هنا، وهذه هي زيارتنا الثانية. في السابق، كانت العديد من الخدمات مفقودة، أما الآن فكل شيء متوفر هنا، والأطباء لطفاء".

تفانٍ يتجاوز الراتب

هذه الثقة لا تُبنى على الدواء وحده، بل على الحضور والاستمرارية وفريق يواصل عمله رغم ساعات العمل الطويلة والأجور المحدودة والتحديات اليومية.

وتوضح زينب: "خلال تفشي وباء الكوليرا، حصلنا على مستلزمات سمحت لنا بمواصلة خدمة الناس. حتى أننا تمكنّا من إنقاذ طفل يُعاني من سوء التغذية الحاد بفضل مستلزمات التغذية التي وصلتنا".

ولكن زينب تُدرك تمامًا حجم المخاطر، حيث تقول: "نحن بحاجة إلى مزيد من التدريب والدعم المستمر. فإذا توقف هذا الدعم، قد نعود إلى نقطة الصفر".

التعافي والتجديد والطريق إلى الأمام

في حين أن التحديات ما تزال قائمة، فإن ما يحدث في حبيل جبر – وفي مراكز مماثلة في جميع أنحاء اليمن – ليس مجرد تعافٍ، بل هو تجديد. فهذه المرافق لا تقتصر على معالجة الحمى وتوفير اللقاحات، بل تُعيد إرساء أسس نظام الرعاية الصحية الأولية في اليمن، لبنة لبنة، في بلدٍ ظل فيه الوصول إلى الرعاية ممزقًا بفعل النزاع والنزوح.

بالنسبة للمجتمعات التي قد تتجاوز فيها تكلفة المواصلات أو الدواء أو استشارة طبية واحدة دخل الأسرة الشهري، فإن وجود هذه العيادات أمرٌ لا غنى عنه. فهي لا تقدم الخدمات الطبية الأساسية فحسب، بل تقدم شيئًا لا يقل أهمية: القرب، والقدرة على التنبؤ، والكرامة، والأمل.

مع كل طفل يتم تحصينه وكل أم تتلقى العلاج بالقرب من منزلها، تزداد الثقة في نظام الصحة العامة قوة. وعندما تتجذر هذه الثقة، فإنها تخلق تأثيرات مضاعفة مثل تحسين السلوكيات الصحية، وخفض معدلات الوفيات، وزيادة صمود المجتمع في مواجهة الأزمات.

ويُعد هذا التقدم، الذي أصبح ممكنًا بفضل الاستثمار المقدم من الصندوق الكويتي، تذكيرًا بأن حتى المدخلات المتواضعة، إذا تم تقديمها بشكل استراتيجي، يُمكن أن تحقق تأثيرات هائلة. ولكن استدامة هذا التقدم تتطلب أكثر من مجرد تدخلات لمرة واحدة، فهي تستدعي التنسيق المستمر، وبناء القدرات، والشراكة الملتزمة.

تقول قات: "عندما نرى الأطفال يتماثلون للشفاء وترتسم الابتسامة على وجوه الأمهات، نشعر براحة البال. فهذا هو جوهر العمل الإنساني".
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI