اضطرت إسرائيل إلى التعبير عن "أسفها الشديد" لقتل جيشها خمسة صحافيين، أمس الإثنين، وذلك بعد توثيق قصفهم بالبث المباشر والتنديد الدولي الواسع بذلك، وعلى رأسه تعبير الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن استيائه من ذلك.
وعبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "أسفه الشديد من الحادثة المأسوية"، على رغم أن قواته قتلت 246 صحافياً منذ بدء الحرب على قطاع غزة قبل 23 شهراً، في أكبر حصيلة خلال الحروب بالعقود الماضية.
ومع ذلك فإن نتنياهو ادعى أن "إسرائيل تقدر عمل الصحافيين والطواقم الطبية وجميع المدنيين"، على رغم أنها قتلت أكثر من 62 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب معظمهم من المدنيين، وفق منظمات دولية وحقوقية فلسطينية وعالمية.
كاميرا مراقبة مخفية
وخلال تغطية قصف استهدف سلم الطوارئ في الطابق الرابع من مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، قصف الجيش الإسرائيلي أكثر من 20 فلسطينياً بينهم خمسة صحافيين ومن ضمنهم مصورة "اندبندنت عربية" مريم أبو دقة.
وكانت الطواقم الصحافية والطبية هرعت صباح الإثنين إلى سلم الطوارئ بعد قصفه من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث كان يقف مصور وكالة "رويترز" حسام المصري، قبل أن يقصف للمرة الثانية خلال دقائق مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن جنود إسرائيليين شاركوا في عملية القصف قولهم إن "الهجوم على مجمع ناصر تم بمصادقة من القيادة العليا للجيش".
وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون، إن القصف استهدف شخصاً "كان يراقب تحركات الجيش بكاميرا مخفية في الطابق الرابع من المستشفى".
لكن كبير معلقي قناة "i24" التلفزيونية تسفي يحزكيلي لم يندد برسالته باستمرار قتل الصحافيين باعتبار أنهم يشكلون وفقه "رأس الحربة لحركة ‘حماس‘"، مدعياً أنهم "يختبئون في المستشفيات، ويعرضون للعالم صورة معاكسة تماماً، ويخدمون مصلحة الحركة".
وأشار يحزكيلي وهو من الصهيونية الدينية إلى أن إسرائيل "أحسنت صنعاً بتصفيتهم على رغم أنه كان متأخراً جداً، ولا يزال كثير منهم يسببون ضرراً لصورة إسرائيل أمام العالم".
وعدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين استهداف الصحافيين الخمسة بأنها "جريمة نكراء، تمثل تصعيداً خطراً في استهداف الصحافيين الفلسطينيين بصورة مباشرة ومتعمدة".
وأشارت إلى أن "تلك الجريمة تؤكد بلا أدنى شك أن الاحتلال يمارس حرباً مفتوحة على الإعلام الحر بهدف ترويع الصحافيين ومنعهم من أداء رسالتهم المهنية في فضح جرائمه أمام العالم".
دعوات لتحرك عاجل
وحملت نقابة الصحافيين الفلسطينيين "الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة"، وطالبت "بمحاسبة قادته كمجرمي حرب".
كما دعت المؤسسات الإعلامية الدولية إلى "كسر صمتها، والتحرك العاجل لحماية الصحافيين الفلسطينيين الذين يستهدفون يومياً في الميدان".
وتوعدت النقابة "بملاحقة كل من تورط في هذه الجرائم ولن نصمت ولن نغفر" باعتبارها "جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجب ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية".
وبحسب نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، فإن الإعلاميين في قطاع غزة "هم الأكثر تعرضاً للخطر بسبب وجودهم في مناطق القصف"، لكنه شدد على أن إسرائيل "تعمدت استهداف معظم من قتل منهم منذ بدء الحرب، وأحياناً قتلهم مع عائلاتهم بقصف منازلهم".
وأوضح أن قصف مجمع ناصر الطبي يعد "استهدافاً مباشراً للصحافيين في المنطقة على رغم أنها ليست منطقة قتال".
وأشار إلى أن نقابة الصحافيين تعمل مع الاتحاد الدولي للصحافيين وبالتعاون مع محاميين دوليين على رفع قضايا ضد إسرائيل بسبب قتلها عشرات الإعلاميين في قطاع غزة.
ووفق الأسطل، فإن المحكمة الجنائية الدولية "وافقت على النظر بثلاث قضايا قتل وقعت قبل بدء الحرب على غزة، وقتل ثلاثة صحافيين بينهم اثنان في غزة وواحدة في الضفة الغربية".
الصحافيون الأجانب
ومنذ بدء الحرب تصر إسرائيل على رفض السماح بدخول الصحافيين الأجانب إلى قطاع غزة، فيما سحبت بعض وكالات الأخبار العالمية صحافييها الفلسطينيين من القطاع خوفاً على حياتهم.
ولذلك فإن المؤسسات الإخبارية العالمية اضطرت إلى التعامل مع صحافيين فلسطينيين لمساعدة صحافييها في تغطية الحرب على قطاع غزة، وفق الأسطل.
وقبل بدء الحرب كان لدى النقابة 1100 صحافي مسجل لديها، إلا أن العدد ارتفع مع انضمام صحافيين جدد للعمل، بحسب الأسطل.
واشتكى الأسطل من رفض معظم تلك الوكالات الإخبارية "إبرام عقود مع هؤلاء الإعلاميين لضمان حقوقهم المادية والمعنوية على رغم أن قطاع غزة منطقة حرب".
ومع ذلك فإن المحلل السياسي الإسرائيل يؤآف شتيرن استبعد "وجود سياسة لدى الجيش الإسرائيلي للاستهداف المتعمد للصحافيين في غزة"، إلا أنه عد أن "وجودهم في أي مكان لا يمنع الجيش الإسرائيلي من قصفه".
ومع ذلك فإن شتيرن أوضح أن الجيش الإسرائيلي تعمد قصف خيمة للصحافيين في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة في الـ10 من الشهر الجاري، مما أدى قتل مراسلين ومصورين.
وجاء ذلك القصف بعد حملة تهديد تعرض لها الشريف من الجيش الإسرائيلي بتهمة انتمائه إلى حركة "حماس".
وبحسب شتيرن، فإن قصف مجمع ناصر وقتل الصحافيين "لم يحصل إلا بعد موافقة من القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي بسبب استهداف مجمع طبي".
ووصف قتل الصحافيين بأنه "ناجم عن إهمال وخطأ كبيرين"، قائلاً إن "الاستهداف كان لكاميرات مراقبة منصوبة على أعلى المستشفى".
وعن أسباب منع إسرائيل دخول الصحافيين الأجانب إلى القطاع، أرجع شتيرن ذلك إلى "عدم رغبة الجيش الإسرائيلي بالاحتكاك المباشر بهؤلاء الصحافيين، بالتالي فرض قيود على عمله".
وتابع، أن وجود الصحافي الفلسطيني "لا يشكل قيوداً على الجيش الإسرائيلي عكس الصحافي الأجنبي"، نافياً أن يكون ذلك لمنع "بث تقارير للصحافيين الدوليين من القطاع، لأن مقاطع الفيديو متوافرة من الصحافيين الفلسطينيين".
ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد أن السلطات الإسرائيلية "تتبنى موقفاً يقوم على أن قتل الإعلاميين جزء من حربها على الإرهاب لا سيما بوجود الصحافيين بين المجموعات المسلحة".
لكن عواد أشار إلى أن التيارات المتطرفة من الصهيونية الدينية تدعو إلى قتل كل من هو موجود في قطاع غزة.
وفيما "ترفض فئة قليلة من الإعلام الإسرائيلي استهداف الصحافيين لإساءته لصورة إسرائيل في العالم، فإن معظم الإعلام الإسرائيلي يتبنى الرواية الرسمية الإسرائيلية"، بحسب عواد.
وقال مدير الهيئة المستقلة الفلسطينية لحقوق الإنسان عمار الدويك، إن "نسبة الضحايا الصحافيين تصل إلى نحو 15 في المئة من عددهم في قطاع غزة".
ولفت إلى أن ذلك "مؤشر قوي على تعمد الجيش الإسرائيلي استهدافهم".
ويرى الكاتب الصحافي الموجود في قطاع غزة فتحي صباح أن "استهداف إسرائيل الصحافيين في قطاع غزة يأتي ضمن معركة الرواية على ما يحصل في القطاع، بدليل أنها تمنع الصحافيين الأجانب من دخول غزة".
"إسرائيل تمنع دخول الصحافيين الأجانب وتترك الصحافيين الفلسطينيين في مرمى النيران بهدف حجب الرواية على المستوى المحلي والعالمي"، أشار صباح.