يعيش السكان العالقون في ولاية غرب كردفان، التي تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع"، أوضاعاً مأسوية من عنف ورعب، بسبب تصاعد الانتهاكات والجرائم البشعة التي تمارسها تلك القوات في حق المدنيين، فضلاً عن تزايد عمليات النهب والسلب والاختطاف في القرى، إذ فقد مواطنون كثر أموالهم ومخزوناتهم من المحاصيل والمواد الاستهلاكية ونهبت جميع السيارات، وتتزايد يومياً أعداد المفقودين في ظل انقطاع كامل للاتصالات.
وجراء هذه الأوضاع، تشهد مناطق الخوي وأم صميمة وعيال بخيت حركة نزوح لمئات الأسر بسبب تدهور الوضع الإنساني والأمني نتيجة العنف المتصاعد واستهداف المدنيين والأعمال الانتقامية واسعة النطاق في حق المواطنين، واختار الفارون من جحيم القتال والانتهاكات الجسيمة مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان وإقليم النيل الأبيض كوجهات نزوح.
يقول المواطن السوداني فيصل الزاكي إن قوات "الدعم السريع" قامت بنهب ممتلكات سكان منطقة الخوي بخاصة المنازل، إذ يقوم الجنود بإخراج كل الأدوات الكهربائية من تليفزيونات وثلاجات وحزمها، ومن ثم ترحيلها إلى ولايات دارفور".
وأضاف أن "معظم عمليات النهب التي تمت بالأحياء وحتى البنوك والمؤسسات كانت مبادرة الكسر والتهجم تبدأ بواسطة "الدعم السريع"، وبعد ذلك تتبعها العصابات لتجهز على الفتات المتبقي، بالتالي باتت الأوضاع الأمنية متردية للغاية ولا تشجع على بقاء السكان".
وأوضح الزاكي أن "سكان المدن والقرى في ولاية غرب كردفان يعيشون أياماً عصيبة وسط ظروف إنسانية قاسية خصوصاً الخوي وعيال بخيت وأم صميمة، إذ ذاقوا مرارات التجويع وأشد أنواع الانتهاكات، إلى جانب عدم القدرة على التنقل والحركة بسبب الخوف من القتل من دون أي سبب في ظل انتشار جنود ’الدعم السريع‘ وممارسة الجرائم ضد المواطنين من دون مراعاة أوضاع النساء والأطفال والمسنين".
نزوح ومآسٍ
بدوره، وصف عمر جاد الكريم الوضع الإنساني والأمني والصحي في مدينة النهود بأنه في غاية من التعقيد في ظل نهب السوق ومدخرات المواطنين وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وكذلك عمق الكارثة الإنسانية المتمثلة في الافتقار الحاد إلى الغذاء ومياه الشرب والرعاية الطبية.
وأشار إلى أن "البيئة داخل النهود باتت مواتية لانتشار كثير من الأمراض في ظل نقص كبير بالغذاء والدواء، وناشد المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية الالتفات لهذه المأساة التي تهدد سكان المدينة بموت محقق ما لم تتكاثف الجهود لإدخال المساعدات أو حتى السماح بإجلاء السكان العالقين".
ولفت جاد الكريم إلى أن "الدعم السريع نفذت عمليات نهب وسلب، إضافة إلى ترويع السكان في وضح النهار والاعتداء على المنازل تحت تهديد السلاح لترهيب المواطنين، من أجل الإفصاح عن مكان مدخراتهم الثمينة".
وتابع المتحدث "أسهمت فداحة الانتهاكات والجرائم المفزعة في تزايد حالات النزوح إلى مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، ومدن كوستي وربك في إقليم النيل الأبيض".
إلى ذلك، قالت غرفة طوارئ دار حمر إن قوات "الدعم السريع" نفذت عمليات نهب وترويع واسعة في منطقة عيال بخيت التابعة لمحلية الخوي بولاية غرب كردفان.
وبحسب الغرفة، فإن هذه الجماعة قامت بنهب ممتلكات المواطنين ومخازن السلع التجارية وعدد من المركبات، قبل أن تقدم على اختطاف أحد التجار مطالبة بدفع فدية مالية ضخمة في مقابل إطلاق سراحه، وسط حال من الهلع والنزوح بسبب الاعتداءات المتكررة.
وحذرت غرفة الطوارئ من أن استمرار هذه الانتهاكات يهدد الأمن والاستقرار في الولاية، مطالبة السلطات المحلية والقوات النظامية بالتدخل العاجل لتأمين المواطنين والمناطق الريفية الواقعة بين المزروب وعيال بخيت.
اعتداء وعنف
في سياق متصل أوضح الناشط المجتمعي جابر العمدة أن "مناطق الخوي وعيال بخيت شهدت موجة نزوح آلاف الأسر باتجاه المدن الآمنة في ولاية شمال كردفان بخاصة الأبيض، هرباً من الانتهاكات وتدهور الأوضاع الإنسانية الحاد، في ظل النقص الشديد في المواد الغذائية، وتفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، مما جعل البقاء في تلك المناطق أمراً بالغ الصعوبة".
ونوه العمدة بأن "الحياة اليومية باتت شبه مستحيلة، بخاصة في ظل انتشار حوادث السرقة والنهب التي تنفذها "الدعم السريع"، فضلاً عن نقص الخدمات وتدهور الوضع الأمني وغياب أي تدخلات إنسانية، مما أجبر السكان على النزوح".
وكشف الناشط المجتمعي عن "ارتفاع كبير في أعداد الفارين من مدن وقرى ولاية غرب كردفان خلال الأسبوعين الأخيرين"، مبيناً أن "النازحين يعانون مآسي حقيقية على طول الطريق إلى مدينة الأبيض، بما في ذلك الاعتداء والعنف الجسدي القائم النوع الاجتماعي".
انفلات أمني
على النحو ذاته، أشار عضو غرفة طوارئ غرب كردفان مرتضى يعقوب إلى أن "غالبية المناطق والقرى تشهد انفلاتاً أمنياً وعمليات سلب ونهب لما تبقى من ممتلكات المواطنين والتجار، مما تسبب في موجة نزوح جديدة نتيجة التدهور الأمني والمعيشي، بينما تواصل قوات ’الدعم السريع‘ التي تسيطر على غالبية مدن الإقليم إغلاق عدد من الأسواق".
وأردف يعقوب "وصل النازحون إلى مدينة الأبيض بتشتت كثير من الأسر وفقدانها عدداً من أفرادها، خصوصاً الأطفال، خلال رحلة النزوح الشاقة للوصول إلى نقطة العبور بين غرب كردفان وشمالها".
وواصل في القول "الاعتداءات المتواصلة على السكان أدت إلى نزوح جماعي نحو مدينتي الأبيض عاصمة شمال كردفان وكوستي في النيل الأبيض وغيرهما من المناطق المجاورة، عقب تزايد الانتهاكات والجرائم البشعة التي تمارسها ’الدعم السريع‘".
استهداف مستمر
من جانبه، يقول المواطن حمد نعمان إن "الوضع الإنساني في مناطق الخوي وخماس كارثي للغاية، فالمواد الغذائية نفدت من الأسواق تماماً، كما أن المخابز توقفت عن العمل، والأمر المؤسف تصاعد أسعار السلع لأعلى معدل في استغلال واضح للمواطنين على رغم انعدام النقود لدى غالبية السكان الذين يعتصرهم الجوع نتيجة نفاد المدخرات المالية وعدم انخراطهم في العمل منذ أكثر من 10 أشهر".
وأضاف أن "غالبية المواطنين يعتمدون على معاشهم يوماً بيوم، واستهداف ’الدعم السريع‘ لهم بصورة مستمرة يؤثر في أرزاقهم وتدبير حاجاتهم، بخاصة في ظل إغلاق الأسواق واختطاف التجار والمطالبة بدفع فدية مالية في مقابل إطلاق سراحهم".
ويلخص نعمان الوضع بأن "كل أسباب الحياة تكاد تكون توقفت، بينما توافرت كل أسباب الموت ولم تعد هناك إلا رائحة الجثث التي تنبعث من الشوارع الضيقة وتحت أنقاض بعض البنايات، كما لا توجد كهرباء ولا ماء".
وعن مغامرة خروجهم ووصولهم إلى مدينة الأبيض، يقول المواطن السوداني، "لقد كان خروجنا من هناك أشبه بالأعجوبة فقد مشينا في الظلام مسافة طويلة بين الجثث والركام حاملين فقط بعض الحقائب الصغيرة، حتى وصلنا إلى مكان فيه بعض الحركة والحياة، ومن هناك أقلتنا شاحنة حتى عاصمة شمال كردفان".
وزاد "المشكلة تكمن أيضاً في أن مدينة الأبيض تشهد ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في أسعار إيجار المساكن إلى جانب الندرة في العرض، ومن المؤسف أن بعض الأسر النازحة تفترش الأرض لعدم قدرتها على الإيفاء بالتزامات الإيجار في ظل عدم توفر مراكز جديدة للإيواء، بالتالي فإن أية موجة نزوح جديدة إلى هذه المدينة سيؤثر في كل أوجه الحياة من ناحية المغالاة في أسعار السلع والسكن، وكذلك انعدام الرعاية الصحية والنقص في الأدوية".
(اندبندنت عربية)