8 ديسمبر 2025
22 نوفمبر 2025
يمن فريدم-عثمان الأسباط
سيدة سودانية فرت من الفاشر في أحد مخيمات النزوح ببلدة الدبة، شمال السودان، 21 نوفمبر 2025 (أ ف ب)


أثارت فداحة الانتهاكات والجرائم المفزعة التي ارتكبتها قوات "الدعم السريع" في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور موجة غضب أهالي الضحايا الذين شرعوا في مقاضاة المتورطين بارتكاب المجازر والفظاعات التي هزت البلاد خلال الأسابيع الماضية، وبعد سنوات من الصمت والخوف، خرجت هذه الأسر إلى العلن تحمل ملفاتها وشهاداتها مدفوعة بإصرار على تفكيك دائرة الإفلات من العقاب التي ظلت مستمرة منذ عام 2003.

غير أنه طوال هذا التاريخ الدامي الحافل بالمجازر الموثقة، لم تتم حتى اليوم محاكمة أحد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، باستثناء متهم واحد سلم نفسه طوعاً هو علي محمد علي عبدالرحمن المعروف بـ"علي كوشيب"، ودانته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

أعدت عشرات الأسر مذكرات تحوي ملفات لقضايا ببيانات مبدئية تصلح لمباشرة إجراءات المقاضاة بالدول التي تعمل بأنظمة دولية في جرائم القتل الجماعي والعنف العرقي والجنسي، في وقت أبدت فيه "المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات" و"هيئة محامي دارفور" الاستعداد لتقديم العون إلى ضحايا الانتهاكات التي ارتكبت في الفاشر لملاحقة الجناة دولياً.

وارتكبت "الدعم السريع"، وفقاً للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، انتهاكات شملت القتل الجماعي وتصفية المرضى واحتجاز الأشخاص بغرض الحصول على فدى مالية واغتصاب النساء بعد سيطرتها على الفاشر في الـ26 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

تحرك وملاحقة

قال المواطن السوداني صدام إسحاق الذي فقد 3 من أفراد أسرته في عملية قتل جماعي بعاصمة ولاية شمال دارفور إن "الجرائم التي شهدها الإقليم منذ عام 2003، لم تتم فيها محاكمة أحد، ومن ثم فإن المسيرة الطويلة من الإفلات من العقاب شجعت على تكرار جرائم الحرب بصورة بشعة للغاية".

وأضاف أن "أسر الضحايا لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام نهج القتل الجماعي والعنف العرقي، وستقدم الأدلة الموثقة إلى المحاكم الدولية من أجل محاسبة المسؤولين عن المجازر والانتهاكات الجسيمة وتقديمهم للمحاكمة العادلة لحفظ حقوق الضحايا".

وأوضح إسحاق أن "عائلات الضحايا، بالتنسيق مع المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات وهيئة محامي دارفور، ستعمل على ملاحقة الدعم السريع في المحاكم الدولية لإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب من خلال أجهزة عدالة مستقلة وقادرة وراغبة في تحقيقها بكفاءة".

تحقيق العدالة

بدوره قال الطيب الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل حفاظاً على سلامته، إن "جنوداً من الدعم السريع قتلوا 5 من أفراد أسرته في الفاشر أثناء محاولة الفرار من المدينة، وهذه الحادثة أثارت غضب العائلة التي شرعت في إجراءات التقاضي إلى المحاكم الدولية بالتنسيق مع هيئات حقوقية سودانية مستقلة".

وأشار إلى أن "ما شهدته الفاشر من جرائم قتل ممنهج واستهداف عرقي يرقى إلى جرائم حرب تستوجب المساءلة"، مشدداً على "أن مرتكبي تلك الفظائع لن يفلتوا من العقاب مرة أخرى حتى يكونوا عبرة لغيرهم"، ولفت إلى أن "ترسخ حال الإفلات من العقاب أدى إلى تأجيج الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان في إقليم دارفور، ومن ثم فإن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الدعم السريع في الفاشر تتطلب وضع حد لهذه الجرائم".

دعم قانوني

إلى ذلك قالت "المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات" و"هيئة محامي دارفور"، في بيان مشترك، إن "هناك أنظمة قضائية عالمية تعمل بنظام مبدأ الولاية القضائية الممتدة، والتي يمكن من خلالها ملاحقة مرتكبي جرائم الفاشر، إذ أبدت شخصيات قانونية استعدادها لتقديم العون القانوني لأسر الضحايا"، وأشارت إلى أن "الاستفادة من العون القانوني يتطلب إعداد ملفات لقضايا ببينات مبدئية كافية تصلح لمباشرة إجراءات المقاضاة بالدول التي تعمل بأنظمة الولاية القضائية الممتدة".

ودعا البيان المشترك أسر ضحايا الفاشر إلى التواصل مع المجموعة والهيئة للحصول على المشورة القانونية حول كيفية حفظ الأدلة والشهادات المتعلقة بالانتهاكات التي تعرضوا لها، وشدد البيان على أن الجرائم المرتكبة في الفاشر وما حولها "تضمنت حالات غير مسبوقة في تاريخ الحروب، و ترقى الانتهاكات إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية"، داعياً الأسر المتأثرة إلى الحفاظ على الأدلة والشهادات لتقديمها إلى المحاكم الجنائية.

عشرات البلاغات

في السياق أوضح رئيس مجلس أمناء "هيئة محامي دارفور" المكلف الصادق علي حسن أن "المجموعة والهيئة تسلمتا عشرات البلاغات حول الانتهاكات التي حدثت في الفاشر، وتتعاملان مع هذه البلاغات باعتبارها إفادات أولية خاضعة للتقييم القانوني".

ونوه بأنهم "في مرحلة الاستدلالات لجمع مزيد من البينات لتكييفها التكييف القانوني الصحيح، وأن ترتيباتهم لن تتوقف على الجناة المباشرين، بل ستتم دراسة مدى توافر المسؤولية الجنائية في كل من مارسوا التستر والإخفاء الجنائي"، وبين حسن أن "هناك عديداً من المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان من خارج السودان سيعملون بالتعاون مع أعضاء هيئة محامي دارفور وهيئات قانونية أخرى، بما في ذلك أعضاء بالاتحاد الدولي للمحامين".

مبدأ المساءلة

من جهته قال المتخصص في مجال القانون الدولي مدثر سليمان "يجب ضمان عدم الإفلات من العقاب في مجازر وفظاعات الفاشر، وإعادة الاعتبار لمبدأ حماية المدنيين الذي يشكل جوهر القانون الدولي الإنساني لأن مثل تلك الجرائم تلاحق مرتكبيها حتى تتم محاكمتهم".

وأشار سليمان إلى أن "بذرة الأمل تكمن بتحقيق العدالة في أن الفظائع التي وثقها تقرير مختبر الأبحاث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل بالولايات المتحدة باتت تشكل أرضية قانونية وأخلاقية للتحرك، لا مجرد وثيقة للتاريخ، فحين يتحول الألم إلى وعي قانوني، يمكن أن يصبح خطوة أولى نحو العدالة".

وتابع "التقارير الموثقة التي قدمها عدد من الدول توضح أنماطاً منهجية من القتل الجماعي والعنف الجنسي في الفاشر، مستندة إلى شهادات ميدانية وصور أقمار اصطناعية تتقاطع مع ما ورد في تقرير مختبر جامعة ييل، هذا التلاقي بين الدليل العلمي الميداني والتقارير الدبلوماسية الرسمية يمنح الصورة الكلية صدقية يصعب إنكارها، ويضع أمام المجتمع الدولي قاعدة بيانات يمكن أن تشكل أساساً لفتح تحقيقات جنائية مستقلة".

وأضاف المتخصص في مجال القانون الدولي "المحكمة الجنائية الدولية، على رغم بطء إجراءاتها وتعقيدها، تبقى أداة رمزية ومحورية في معركة الضحايا ضد النسيان، كذلك يمكن لمجلس حقوق الإنسان والآليات الأممية الخاصة أن تشكل جسوراً لتثبيت مبدأ المساءلة وتعزيز العدالة الانتقالية".

محاكمة دولية

على نحو متصل دعا رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس إلى ملاحقات قضائية دولية عقب أعمال العنف الدامية في مدينة الفاشر، وأضاف إدريس "نحتاج إلى أفعال لا أقوال، وتجب ملاحقة مرتكبي الجرائم أمام القضاء، بما في ذلك على المستوى الدولي"، ودعا رئيس الوزراء السوداني الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية ومكافحتها بناءً على ذلك".

وتشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا جراء الفظائع والتصفيات العرقية التي اقترفتها "الدعم السريع" بالفاشر أكثر من 16 ألفاً، مات منهم نحو 14 ألفاً بسبب الحصار والحرمان من الغذاء والقصف العشوائي المتواصل الذي كانت تقوم به هذه الجماعة مدة نحو عامين، وفق "شبكة أطباء السودان"، بينما قتل أكثر من 2000 شخص نتيجة المجازر والتصفيات العرقية التي تمت ضد المدنيين.

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI