27 يوليو 2025
3 سبتمبر 2022
يمن فريدم-خاص-مختار شداد

 

شقيقان ورصاصة واحدة، قصة طفلين لم يتجاوزا سن العاشرة، سقطا ضحايا برصاصة قناصة غادرة. خرجا لجلب الماء لأسرتهم من مشروع خيري قريب، وفي طريق العودة قادتهم براءتهم الطفولية لتسلق شجرة "الدوم" أو كما تسمى "اللوز الهندي" لقطف بعض ثمارها في منطقة عصيفرة شمال المدينة، لكن القناص المتمركز في "تبة الكمبتين" المطلة على عصيفرة كان لهم بالمرصاد، فلم يسعفهما النزول من الشجرة وتذوق طعم اللوز فأطلق رصاصة واحدة كانت كافية لتقل الأكبر سنًا "صابر الصمادي" البالغ من العمر عشرة أعوام، واصابة شقيقه "محمد الصمادي" ذو الثمانية أعوام بجروح بليغة تم اسعافه بعد ذلك إلى المستشفى.

 

مأساة من مئات المآسي التي يعيشها السكان في مدينة تعز، خاصة الساكنين قرب خطوط التماس في مختلف مديريات المحافظة، فحيث ما اتجهت هنا ستجد قصة حزن مختلفة التفاصيل ولكنها في النهاية رصاصة قناص.

 

يرتكب الحوثيون منذ اندلاع الحرب في اليمن جرائم متعددة بحق المدنيين في مدينة تعز الواقعة تحت الحصار قرابة ثمانية أعوام متتالية، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية المعنية حماية حقوق الأنسان، والتي توجب حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة من أي اعتداءات أو هجمات قد تطالهم أثناء تبادل الهجمات بين الأطراف المتنازعة.

 

فقد نظمت المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع 1949م، أطر حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، فيما تضمن البرتوكول الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977م، واجبات الدول في حماية المدنيين عند النزاع المسلح، ويذكر أن اليمن صادق على هذه الاتفاقيات البرتوكول الإضافي الأول في منتصف يوليو 1970 بالإضافة إلى البرتوكول الثاني الذي وقعه في منتصف أبريل 1990 ، وهذا الأمر يوجب أطراف الصراع الالتزام بمبادئ الاتفاقيات، وذلك لضمان حماية المدنيين من الاعتداءات والهجمات التي قد تطالهم، وفيما يجب على الحكومة اليمنية الالتزام، فإن جماعة الحوثي هي الأخرى ملزمة بذلك باعتبارها تملك تنظميًا ملسحًا ولديها قيادة مستقلة وتسيطر على محافظات عدة.

 

الأطفال في نظر القناص أهداف مشروعة

 

بات استهداف الأطفال والنساء سمة بارزة وأهداف مشروعة للقناصة في مدينة تعز، فهم الفئة الأضعف في المجتمع، وبدلًا من انفرادهم بحماية خاصة، أصبحوا هم الأكثر استهدافًا، فمنذ أول شرارة للحرب مطلع العام 2015 ،وضحايا القنص من الأطفال والنساء في تزايد مستمر، الأمر الذي يكشف فداحة الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المدنيين خاصة الأطفال والنساء.

 

وفيما يلزم الإعلان العالمي لحماية المرأة والطفل في حالة الطوارئ وأثناء النزاعات المسلحة جميع الدول تقديم الضمانات لحماية الأطفال، إلتزامًا ببرتوكول جنيف لعام 1925، واتفاقيات جنيف لعام 1949م، والقوانين الدولية الأخرى، تستمر مليشيات الحوثي بانتهاك تلك القوانين بصورة مباشرة دون مراعاة للمبادئ الإنسانية ضاربة بتلك المواثيق عرض الحائط.

 

يعد استهداف الأطفال بالقنص المباشر "جريمة حرب" ضد الإنسانية تشدد فيها العقوبة، وتصنف من الجرائم الجسيمة والتي لا تسقط بالتقادم، وفقًا لكل المعاهدات والمواثيق المشار إليها سابقًا.

 

وتبعًا لإحصائيات التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، فقد سقط قرابة ( 360 ) طفلًا بين قتيل وجريح وذلك في ( 16 ) مديرية من مديريات تعز، وجاءت في المرتبة الأول مديرية القاهرة بواقع (22) قتيل و(53) جريح، فيما أحتلت المرتبة الثانية مديرية المظفر (29) قتيل و (45) جريح، فيما المرتبة الثالثة كانت لمديرية صالة فقد سقط فيها (26) قتيل و (43) جريح، وتوزع باقي الضحايا على، صبر الموادم، التعزية، جبل حبشي، المسراخ، مقبنة، وعدة مديريات أخرى.

 

وتشير الاحصائيات المعلنة من قبل بعض المنظمات المحلية والدولية خلال ست سنوات من الحرب إلى سقوط قرابة( 983 ) قتيل بسبب القنص في مدينة تعز، بينهم ( 90 ) امرأة و (80 ) مسن.

 

يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، مقرها جنيف، توفيق الحميدي، إن قنص المدنيين يعد جريمة تستوجب محاسبة مرتكبيها بموجب اتفاقيات جنيف، مشيرًا إلى أنها قد ترقى إلى جريمة حرب.

 

ويضيف في تصريحه لـ" يمن فريدم " قوله : " الحفاظ على أرواح المدنيين يتحمله أطراف القتال، وأي انتهاك يشكل جريمة حرب تستوجب المساءلة، وتشمل المساءلة مُصدر الأوامر والجهات المحرضة على القتل، حيث أن القناص لا يفرق بين المدني والمقاتل كما في تعز، ويرتكب جريمته بإصرار وتعمد."

 

مخابئ القناصة

 

ينتشر قناصة مليشيات الحوثي على طول خط الحصار حول المدينة، ويتمركزون في التباب والبنايات المرتفعة، متخذين منها تحصينات متينة ومخابئ لا تصل إليها هجمات الطرف الآخر المتمثل بجيش الحكومة الشرعية.

 

ففي شرق المدينة يتمركز القناصة في( تبة السلال ، نوبات القصر الجمهوري، ومعسكر الأمن المركزي)، وكل هذه المناطق تطل على مديرية صالة، ويستهدف منها القناصة المواطنين في عدة أحياء منها،( حي كلابة ،منطقة الأبعر، الشرف، والأرجم في صالة).

 

وفي الشمال، يتخذ القناصة من تبة الصبري وتبتا ( الكمبتين ، وحميد بالأضافة إلى جبل الوعش) ، وتطل هذه المناطق على أجزاء من شارع (الأربعين ،حي عصيفرة، وحي التوحيد) ، ويستهدف القناصة المواطنين الساكنين في تلك المناطق.

 

من جهة الغرب يتمركز القناصة في وأطراف ( الدفاع الجوي، تبتي القارع والمدرجات، أطراف جبل هان، والتبة السوداء) ، يستهدفون منها المواطنين في المناطق الغربية القريبة من الجبهات.

 

عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان "اشراق المقطري" تقول في تصريحها لـ"يمن فريدم" إن المواطنين في تلك المناطق عانوا من حوادث القنص المباشر، وأصبحوا يعيشون في خوف وقلق مستمر"، مشيرةً إلى أن هناك أحياء سكنية بالكامل يحاول السكان فيها الخروج لشراء احتياجاتهم في الليل حتى لا يراهم القناص ويبقون في النهار بالمنازل وبالتالي يحرم الأطفال من التعليم والكثير من العمل.

 

من جانبه يقول مدير عام مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في محافظة تعز "موسى شداد" إنه يتم توفير الخدمات وتسهيل الوصول إليها عبر تخصيص ممرات آمنة لذلك، وتغطية الأماكن المكشوفة، وتوضيح أماكن تمركز القناصة، بالإضافة إلى توفير الخدمات الأساسية والإغاثية بحسب امكانيات الجهات المختصة، والذي يعتبر الآن ليس بالشكل المطلوب بسبب الحرب والظروف الإقتصادية.

 

وأضاف في حديثه لـ" يمن فريدم" قوله :" نقوم بالتنسيق المشترك مع شرطة تعز ،وقيادة المحور والسلطة المحلية، ومنظمات المجتمع المدني ومكتب الصحه وعقال الحارات بالتوعية وعمل اشارات تحذيرية في أماكن القنص، والأماكن التي يحتمل أن يوجد فيها ألغام أو متفجرات وتطهيرها باستمرار، وتوعية المواطنين بعدم الازدحام أو كثافة الحركة، وعدم العبث بالأجسام الغريبة".

 

                                                                                                                    تصوير أسامة سويد
 

هدنة وقنص مستمر

 

في مطلع أبريل الماضي أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندينبرغ عن هدنة شاملة ولمدة شهرين مع فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة والتشاور من أجل إنهاء الحصار عن تعز وفتح الطرقات الرئيسية، انتهت الهدنة ومددت للمرة الثانية وما تزال تعز ترزح تحت الحصار الخانق، واستهداف المدنيين بالقنص المباشر أو القصف العشوائي للأحياء السكنية.

 

تشير "إشراق المقطري" إلى سقوط أكثر من ( 91 ) مدني بالقنص خلال الهدنة في عموم المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية والتي ما تزال فيها الاشتباكات مستمرة، 80% من الضحايا سقطوا في محافظة تعز وحدها.

 

وتضيف قولها: " هذا الأمر يوضح حقيقية أن الهدنة لم تحقق أهدافها في التزام جماعة الحوثي عدم الاضرار بالمواطنين وعدم استهدفهم، وليس الأمر مقتصر على القنص فقط بل أن الحوثيين يعيقون وصول المواطنين إلى الموارد والمواد الأساسية وهذا يضر بحياتهم، فأحد المواطنين في بريد الروضة كان بحاجة إلى إسعاف سريع وللأسف انتظروا حتى المساء ولكنه كان قد فارق الحياة، وبالتالي قتل بطريقة أخرى".

 

أواخر شهر يوليو المنصرم أرتكبت مليشيات الحوثي مجزرة بحي الروضة شمال المدنية، حيث قتل طفل وأصيب 12 آخرون ، حميعهم دون سن العاشرة، وذلك بالتزامن مع وجود وفد من مكتب المبعوث الأممي في المدينة.

 

أثارت الحادثة سخط شعبي كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، ونددت العديد من المنظمات المحلية معتبرة ذلك جريمة حرب بحق الأطفال ودليلًا قاطعًا على رفض الحوثيين للهدنة وجهود المبعوث الأممي، داعية مجلس الأمن إلى اتخاذ موقف حازم نحو هذه الجرائم التي ترتكبها مليشيات الحوثي.

 

لا يعترف الحوثيون بالهدنة ولا بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان، فالقنص المباشر واستهداف الأحياء السكنية بالقذائف، جرائم حرب ترتكبها المليشيات تحت أنظار المجتمع الدولي ، الأمر الذي يؤكد سياسة التراخي التي تنتهجها الأمم المتحدة حيال ما يرتكبه الحوثيون ، وكل ذلك على حساب المواطن اليمني الذي اذاقته الحرب الأمرّين، فالحياة هنا في مدينة الحصار خوف، وقلق ،وضحايا يسقطون كل يوم.

 

تصوير: أسامة سويد

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI