في ظل الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور في اليمن، برزت ظاهرة مقلقة في الأوساط اليمنية، وهي السعي المحموم وراء الحصول على ألقاب أكاديمية مثل "دكتور"، سواء عبر شهادات وهمية أو جامعات غير معترف بها، وأحيانًا حتى دون شهادة مزيفة.
هذه الظاهرة ليست مجرد انحراف أخلاقي، بل تعكس أبعادًا أعمق تتعلق بالبنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع اليمني، وأزمة القيم التي يعيشها.
لطالما كان للقب "دكتور" بريق خاص في المجتمعات العربية واليمني تحديدًا، حيث يُنظر إليه كرمز للمكانة الاجتماعية والتقدير. لكن في غياب الوعي الحقيقي بقيمة العلم وجهود التحصيل الأكاديمي، تحوّل هذا اللقب إلى مجرد وسيلة لتحقيق الهيبة الاجتماعية أو الهروب من واقع صعب مليء بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية.
كثير من الأفراد يلجؤون إلى شراء شهادات من جامعات مشبوهة أو حتى تزوير وثائق رسمية دون أن يكون لديهم أي مؤهلات علمية حقيقية.
ما يثير السخرية أن بعض هؤلاء الذين يحملون لقب "دكتور" يعملون في مهن شريفة كالتنظيف أو العمالة البسيطة في دول المهجر مثل أوروبا ومصر وغيرها، وهي مهن لا تنتقص من كرامتهم بشيء، بل تعكس جهدهم وكفاحهم لكسب لقمة العيش. ومع ذلك، نجدهم يصرون على حمل ألقاب زائفة وكأنها تعويض نفسي عن الواقع الذي يعيشونه.
السؤال هنا: هل الألقاب تعطيهم شعورًا بالإنجاز الوهمي أم أنها محاولة لإخفاء إحساس بالنقص؟
جزء من المشكلة يكمن في البيئة الاجتماعية نفسها، حيث يُمنح الاحترام والتقدير بناءً على الألقاب وليس الإنجازات الحقيقية.
في مجتمع يعاني من ارتفاع معدلات الأمية وضعف الوعي الثقافي، يصبح من السهل على المزيفين تحقيق القبول الاجتماعي دون أي مساءلة حقيقية. في اليمن، حيث الدولة منهارة والنظام التعليمي يعاني من تفكك شبه كامل، استغل الكثيرون هذا الفراغ للحصول على شهادات وهمية دون أي خوف من العقاب أو التدقيق.
انهيار الدولة أدى إلى غياب الرقابة على المؤسسات التعليمية داخل اليمن وخارجها، مما سمح بانتشار الجامعات الوهمية التي تبيع الشهادات.
وفي مجتمع يرى في الألقاب وسيلة للتميز، يصبح السعي وراءها مسألة نفسية أكثر من كونها أكاديمية.
وفي ظل معاناة اللاجئين اليمنيين في أوروبا والشرق الأوسط من الفقر والتهميش، قد يصبح اللقب الأكاديمي الوهمي وسيلة للشعور بالقيمة الذاتية.
المشكلة الأكبر هي أن هذه الظاهرة تضر بالعلماء الحقيقيين الذين بذلوا سنوات من الجهد في أرقى الجامعات العالمية. هؤلاء يجدون أنفسهم في نفس المستوى مع أشخاص يحملون شهادات مزورة، مما يقلل من قيمة الجهد الحقيقي ويؤدي إلى فقدان الثقة بالمؤهلات الأكاديمية بشكل عام.
ظاهرة الشهادات الوهمية والألقاب الزائفة في المجتمع اليمني تعكس أزمة هوية وأزمة قيم أكثر من كونها مشكلة فردية. الحل يكمن في نشر ثقافة تقدير الجهد والعلم الحقيقي، وفي إصلاح شامل للنظام التعليمي والمجتمعي.
علينا أن ندرك أن العلم ليس مجرد لقب أو ورقة، بل هو مسؤولية وعمل وأثر يُحدث تغييرًا حقيقيًا في حياة الأفراد والمجتمعات.
في الختام ومرة أخرى: هذه الظاهرة تُلحق الضرر بالأكاديميين الحقيقيين الذين أمضوا سنوات في التحصيل العلمي من أرقى الجامعات. الألقاب المزيفة تسهم في تقليل قيمة الجهد الحقيقي وتزرع الشك في كل من يحمل لقبًا أكاديميًا.
وللتصدي لهذه المشكلة، يجب تعزيز الوعي بأهمية العمل والإنجاز الحقيقي، واحترام كل المهن بغض النظر عن الألقاب.
كما يجب مكافحة ثقافة التظاهر وتعزيز قيمة العلم والمعرفة الحقيقية. البيئة التي تقبل الجهل أكثر من العلم هي بيئة بحاجة ماسة للتغيير، وإلا ستظل هذه الظاهرة عائقًا أمام أي تقدم حقيقي.