24 يوليو 2025
4 يونيو 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-طارق الشامي


دخلت استراتيجية ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية مرحلة سياسية وقانونية غير مسبوقة، بعد أن قضت محكمة تجارية فيدرالية بأن الرئيس أساء استخدام قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة في محاولته شن حرب تجارية عالمية، وبينما راهن البعض على أن يوقف هذا الحكم الرسوم الجمركية التي تشكل جوهر استراتيجية ترمب للضغط على الدول الأخرى والدخول في محادثات تجارية معها، منحت محكمة الاستئناف الحكومة مهلة إدارية قصيرة لتسوية الحجج في القضية التي من المتوقع أن تصل إلى المحكمة العليا، كذلك أوضح كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس أن قرارات المحاكم لن تثني الإدارة عن سياستها التجارية، فما مصير حروب ترمب التجارية العالمية وسط الطعون القانونية؟ وإلى أي مدى يمتلك الرئيس صلاحيات إضافية يمكن اللجوء إليها للضغط على الصين والدول الأخرى؟

فوضى وعدم يقين

خلال الأسبوع الماضي، سادت حال من الفوضى خطط ترمب التجارية مع دول العالم، بسبب الطعون القانونية المستمرة في شأن رسوم ما يسمى بـ"يوم التحرير" التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب، وقرار محكمة التجارة الدولية في نيويورك بوقف هذه الرسوم التي فرضت على السلع المستوردة من نحو 90 دولة، على اعتبار أن سلطة الطوارئ التي استخدمها الرئيس لفرض الرسوم لا يمكنها تجاوز دور الكونغرس، الذي يملك وحده الحق في تنظيم التجارة مع الدول الأخرى.

وعلى رغم أن محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الفيدرالية في واشنطن أوقفت حكم محكمة التجارة الدولية موقتاً وأعادت فرض رسوم ترمب، فإن حكم المحكمة السابق، وحال عدم اليقين الجديدة التي أثارها الاستئناف، أشارا إلى الفوضى والقلق إزاء تطبيق سياسة ترمب التجارية، إذ يثير قرار محكمة التجارة الدولية تساؤلات حول جدوى المفاوضات التجارية الجارية مع أكثر من 18 دولة مختلفة، والتي تسعى لخفض هذه التعريفات. فهل تواصل هذه الدول التفاوض أم تنتظر انتهاء الإجراءات القضائية؟

وما يزيد من حال التوتر أن إدارة ترمب لا تزال تمتلك آليات أخرى لفرض التعريفات، لكن هذه الآليات تحدد المبلغ الذي يمكن فرضه، أو تتضمن إجراءات قد تستغرق شهوراً أو سنوات، وهو ما يقوض أسلوب ترمب المفضل في التفاوض الذي يتمثل في إطلاق التهديدات الضخمة ثم التراجع عنها فور التوصل إلى تنازل، بحسب ما تقول أستاذة الاقتصاد في جامعة جنوب أستراليا سوزان ستون.

صلاحيات مبالغ فيها

منذ أن كشف ترمب في 2 أبريل/ نيسان الماضي، عن نظام رسوم جمركية عالمي غير مسبوق يفرض ضرائب استيراد على معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، ويشمل تعريفة أساسية بنسبة 10% على معظم الدول، إلى جانب تعريفات متبادلة أشد وطأة على عشرات الدول والكتل، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا والمكسيك والصين، جادل ترمب بأن هذه السياسة الاقتصادية الشاملة ستعزز التصنيع في الولايات المتحدة وتحمي الوظائف، وستطلق مفاوضات في شأن سياسات تجارية يراها غير عادلة، لكن الأسواق العالمية انزلقت إلى حال من الفوضى قبل أن تهدأ نسبياً عندما تراجع الرئيس الأمريكي عن بعض التعريفات وخفّض تعريفات أخرى أو أرجأ تنفيذها.

مع ذلك، طعنت مجموعة من الشركات الصغيرة التي تستورد سلعاً من دول استهدفتها الرسوم الجمركية، و12 من حكومات الولايات الأميركية المتضررة من ضرائب الاستيراد، في قرارات ترمب التي هزت النظام الاقتصادي العالمي، واعترض المدعون في كلتا القضيتين على استخدام الرئيس قانون صلاحيات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977، والذي استشهد به ترمب لتبرير الرسوم الجمركية، وجادلت الدعاوى بأن حالات الطوارئ الوطنية المستشهد بها، وهي العجز التجاري وأزمة الفنتانيل، ليست حالات طوارئ، ولا ينبغي أن يتم التعامل معها مباشرة من خلال إجراءات التعريفات.

ووافقت هيئة محكمة التجارة الدولية المكونة من ثلاثة قضاة على ذلك، على اعتبار أنها جزء من نظام المحاكم الفيدرالية وذات سلطة خاصة على التجارة، وأكدت في قرارها أن قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، لا يمنح الرئيس سلطة فرض ضرائب الاستيراد الشاملة، لأن القانون ينص على أن للرئيس الحق في اتخاذ إجراءات اقتصادية في مواجهة تهديد غير عادي واستثنائي، بينما استُخدم هذا القانون في السابق بشكل رئيس لفرض عقوبات على الجماعات الإرهابية أو تجميد أصول من روسيا، ولأن القانون لا يتضمن أية إشارة إلى الرسوم الجمركية، أبطلت المحكمة الأوامر التنفيذية المستخدمة لمخالفتها القانون.

كذلك أوقفت المحكمة مجموعة منفصلة من الرسوم التي فرضتها إدارة ترمب على الصين والمكسيك وكندا، رداً على ما وصفته الإدارة بالتدفق غير المقبول للمخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة.

مغزى الحكم

يعني قرار المحكمة أن جميع الرسوم الجمركية المتبادلة، بما في ذلك الرسوم التي فرضت بنسبة 10% على معظم الدول، والرسوم بنسبة 50% التي كان ترمب يتحدث عن فرضها على الاتحاد الأوروبي، وبعض الرسوم الجمركية الصينية، غير قانونية، وإذا أكدت محكمة الاستئناف خلال أيام أو أسابيع حكم محكمة التجارة الدولية، ستكون إدارة ترمب في وضع أسوأ.

مع ذلك، ستبقى بعض الرسوم الجمركية على الصناعات سارية في كل الأحوال، إذ لا يسري الحكم على الرسوم الجمركية المطبقة بموجب المادة 201، والمعروفة باسم الرسوم الجمركية الوقائية، التي تهدف إلى حماية الصناعات الأميركية من الواردات التي يزعم بيعها في السوق الأمريكية بأسعار أو بوسائل غير عادلة، ويشمل ذلك على سبيل المثال الرسوم الجمركية على الألواح الشمسية والغسالات بموجب هذه اللائحة.

كما يستثني الحكم الرسوم المفروضة وفقاً للمادة 232، التي تطبق لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وتشمل رسوم الصلب والألومنيوم والسيارات وقطع غيارها، حيث أعلن ترمب أن جميع هذه الرسوم تشكل قضايا أمن قومي، لذا ستبقى سارية.

إضافة إلى ذلك، سوف تستثنى معظم الرسوم الجمركية المفروضة على الصين بموجب المادة 301 التي تتعلق بالممارسات التجارية غير العادلة، مثل سرقة الملكية الفكرية أو النقل القسري للتكنولوجيا، والهدف من هذه الرسوم هو الضغط على الدول لتغيير سياساتها.

ماذا يعني الاستئناف؟

يعني قبول الاستئناف الذي تقدم به محامو الإدارة الأمريكية، وقف حكم محكمة التجارة الدولية الأمريكية بشكل موقت، حيث يتعين على الأطراف الانتظار لحين انتهاء إجراءات الاستئناف التي تستغرق بعض الوقت، وسيكون أمام المدعين مهلة حتى 5 يونيو/ حزيران للرد، وأمام إدارة ترمب مهلة حتى 9 يونيو، لكن في غضون ذلك، هناك ما لا يقل عن خمسة طعون قانونية أخرى على الرسوم الجمركية لا تزال معلقة أمام المحاكم.

وإذا أصدرت محكمة الاستئناف خلال الأسابيع القليلة المقبلة حكماً لا يرضي إدارة ترمب أو معارضيها، فيمكنهم الاستئناف أمام المحكمة العليا، وإلى حين ذلك لن تكون هناك أية تغييرات على الحدود، حيث يتعين دفع الرسوم الجمركية في الوقت الحالي بحسب ما يقول جون ليونارد، المسؤول السابق في هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية.

إضعاف الموقف التفاوضي

غير أن الحكم الأصلي من محكمة التجارة الدولية الأمريكية أثار تساؤلات حول محادثات التجارة الجارية بين الولايات المتحدة ودول أخرى، حيث جادل البيت الأبيض في جلسات المحكمة بأن موقفه التفاوضي سيضعف إذا ألغت المحكمة الرسوم الجمركية، وهو ما يؤكده أيضاً بول أشوورث، من "كابيتال إيكونوميكس"، إذ اعتبر أن الحكم سيربك بوضوح مساعي إدارة ترمب لإبرام صفقات تجارية بسرعة خلال فترة التوقف عن الرسوم الجمركية التي تبلغ 90 يوماً، وتوقع أن تنتظر الدول الأخرى لترى ما سيحدث لاحقاً.

وفي حين لن يتأثر الاتفاق بين حكومتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية خفض الرسوم الجمركية على بعض السلع المتداولة بين البلدين، والتي شملت خفض وإلغاء ضرائب الاستيراد على بعض صادرات المملكة المتحدة الرئيسة إلى أمريكا، مثل السيارات والصلب والألومنيوم، فإن الرسوم الجمركية الشاملة التي تبلغ 10% على معظم السلع البريطانية الأخرى التي تدخل السوق الأمريكية أصبحت الآن موضع تساؤل، حيث لا يزال من غير المؤكد كيف يمكن أن يتغير هذا الجزء من الاتفاقية إذا أكدت محكمة الاستئناف حكم محكمة التجارة الدولية، بخاصة أن الاتفاقية بين الحكومتين لم تنفذ بعد.

ماذا ستفعل إدارة ترمب؟

لم يثبط قرار محكمة التجارة الدولية من عزيمة ترمب، الذي انتقد القرار والقضاة الذين اتخذوه، وقال إنه يجب أن يسمح لرئيس الولايات المتحدة بحماية أمريكا من أولئك الذين يلحقون بها ضرراً اقتصادياً ومالياً، بل تعهد بمضاعفة التعريفات الجمركية المطبقة على واردات الصلب إلى 50%، في خطوة ربما تؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، كما هاجم الصين لعدم التزامها باتفاقية توسطت فيها واشنطن وبكين، والتي خفضت بموجبها الدولتان معدلات تعريفاتهما الجمركية المرتفعة ريثما يتم التوصل إلى اتفاق طويل الأجل.

في الوقت نفسه، أشار كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس ترمب إلى مجموعة متنوعة من الصلاحيات الإضافية التي يمكن للبيت الأبيض اللجوء إليها للضغط على الصين ودول أخرى للدخول في مفاوضات، كما أشاروا إلى أن الرئيس لا يعتزم تمديد فترة الإيقاف الأصلية لمدة 90 يوماً لبعض أعلى معدلات الرسوم الجمركية، مما يزيد من احتمالات سريان هذه الرسوم كما هو مخطط لها في يوليو/ تموز المقبل، والتي أثار مجرد الإعلان عنها اضطراباً في الأسواق.

وفي تحد صريح آخر، استبعد وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، اختفاء الرسوم الجمركية خلال ظهوره على برنامج "فوكس نيوز صنداي"، كذلك لم يتوقع تمديد التعليق الذي أعلنه ترمب في أبريل بالنسبة إلى الرسوم الجمركية المتبادلة.

وعلى رغم أن كبار مسؤولي البيت الأبيض وعدوا سابقاً بإبرام 90 صفقة خلال مهلة التعليق وهي 90 يوماً، ولم يعلنوا منذ ذلك الحين سوى إطار عمل واحد لصفقة مع بريطانيا، فإن وزير التجارة نفى تعرض ترمب لانتكاسة جديدة، مؤكداً أن البيت الأبيض سيتوصل في النهاية إلى صفقات من الدرجة الأولى، كما توقع مدير المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض كيفن هاسيت، أن يتحدث ترمب والزعيم الصيني شي جينبينغ حول التجارة هذا الأسبوع.

ماذا بعد الاستئناف؟

بناء على ما سيحدث في محكمة الاستئناف، من المرجح أن تحال القضية في النهاية إلى المحكمة العليا الأمريكية، وهي أعلى محكمة في الولايات المتحدة، ولكن حتى لو خسر ترمب هناك فلن يعني ذلك بالضرورة نهاية خططه المتعلقة بالرسوم الجمركية، حيث أشار قرار محكمة التجارة إلى أن الرئيس يملك سلطة فرض رسوم جمركية تصل إلى 15% لمدة 150 يوماً لمعالجة المخاوف في شأن الميزان التجاري، وإذا اختارت الإدارة اتباع هذا المسار، فقد تدخل هذه الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ في غضون أيام، وفقاً لمحللين في "غولدمان ساكس"، وقد يلجأ ترمب أيضاً إلى القوانين الأخرى الأكثر رسوخاً التي استخدمها في ولايته الأولى لتبرير الرسوم الجمركية، والتي تركز على قضايا الأمن القومي وسياسات التجارة غير العادلة، لكن هذه القوانين تتطلب تحقيقات وفترات من التعليقات العامة قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ.

ووفقاً لمحللي "غولدمان ساكس"، فإن ترمب قد يلجأ أيضاً إلى جزء غير مجرب من قانون تجاري صدر عام 1930، ويسمح للرئيس بفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على الواردات من الدول التي تستخدم سياسات تمييزية ضد الولايات المتحدة.

لكن إلى حين حسم قضية الرسوم الجمركية برمتها، فإن الشيء الوحيد المؤكد هو أن حال الشك وعدم اليقين ستؤثر في الأسواق العالمية في المستقبل المنظور.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI