ظل السودانيون منذ تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الـ20 من يناير/ كانون الثاني الماضي لولاية ثانية، يترقبون جهود وموقف واشنطن تجاه حرب بلادهم المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أكثر من 27 شهراً، ووضع حد لمأساتهم التي طال أمدها.
في المقابل، يتابع كثير منهم عن كثب ما يجري من ترتيبات لانعقاد مؤتمر دولي تعد له الولايات المتحدة بمشاركة السعودية ومصر والإمارات في شأن السلام في السودان، يعقد نهاية يوليو/ تموز الجاري، باعتباره بارقة أمل حقيقية قد تقود لوقف هذا الصراع المأسوي، في ضوء إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن السودان سيكون الوجهة المقبلة للجهود الأميركية في مسار إيقاف الحرب وتحقيق السلام.
فإلى أي مدى تهتم واشنطن بالقضية السودانية؟ وماذا يمكن أن تفعله في هذه البلاد لإنهاء حربها المدمرة؟ وماذا في جعبتها لتحقيق ذلك؟
تحول لافت
المتخصص في الشؤون السياسية والاستراتيجية عروة الصادق يرى أن "إعلان ماركو روبيو أن السودان سيكون الوجهة التالية للسياسة الخارجية الأمريكية بعد توقيع اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا، يشير إلى تحول لافت في درجة اهتمام واشنطن بالملف السوداني، فبعد فترة من التراخي والتردد، يبدو أن الإدارة الأمريكية، ربما بدافع أخلاقي، أو نتيجة ضرورات جيوسياسية، بدأت تعي أن استمرار الحرب السودانية لا يشكل خطراً إنسانياً فحسب، بل يحمل تهديدات استراتيجية تتصل بأمن البحر الأحمر، والاستقرار الإقليمي، وتمدد الفاعلين الدوليين غير المرغوبين من منظورها، كروسيا وإيران، وهو ما يجعل تحركها في السودان ليس فقط مسألة تضامن، بل ضرورة أمن قومي أمريكي".
وأضاف أن "الولايات المتحدة تمتلك أدوات واسعة للتأثير في الملف السوداني، وهي أدوات لا تقتصر على البيانات والتصريحات، بل تشمل منظومة متكاملة من وسائل الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي. من أهم هذه الأدوات سلاح العقوبات الذكية، الموجهة ضد الأفراد والكيانات التي تغذي الصراع، سواء من خلال توريد السلاح، أو تهريب الذهب، أو عرقلة المساعدات الإنسانية، فهذه العقوبات لا تعاقب الشعب، بل تضيق الخناق على دوائر النفوذ العسكري والاقتصادي المرتبطة بأطراف الحرب، وتشعرها بكلفة استمرار الصراع".
وأردف أنه "إضافة إلى العقوبات، لدى واشنطن قدرة هائلة على توجيه المواقف الإقليمية والدولية، لا سيما في أوساط الحلفاء المباشرين مثل السعودية والإمارات ومصر، الذين لكل منهم دور محوري في مسار الحرب. وإذا توفرت الإرادة الأمريكية، يمكنها أن تضغط لتوحيد مسار الوساطات الدولية، وأن تمنع بعض الجهات من الاستمرار في تقديم أي دعم عسكري أو سياسي لأي من طرفي النزاع. فواشنطن لا تزال تحتفظ بموقعها كلاعب فوقي قادر على ضبط الإيقاع متى ما أرادت ذلك، خصوصاً أن معظم الدعم العسكري أو المالي الذي يغذي أطراف الحرب لا يكون خارج مرأى الاستخبارات الأمريكية".
أدوات التحفيز والنوايا
واستطرد الصادق "على صعيد أدوات التحفيز، بإمكان واشنطن أن توظف نفوذها المالي والسياسي لقيادة عملية إعادة الإعمار في السودان، ضمن خطة شبيهة بـ’خطة مارشال‘ تربط بوقف الحرب، والانتقال السياسي المدني، وتفكيك الاقتصاد العسكري، فالدعم الأمريكي إذا أحسن توجيهه يمكن أن يمنح قوى المجتمع المدني والقطاعات المنتجة نفساً جديداً، وأن يشكل نقطة توازن حيوية تمكن من تحجيم الأطراف المسلحة، ودفعها إلى الانخراط في تسوية جادة".
ونوه إلى أنه "في ما يخص النوايا، فإن تصريحات روبيو، ومعه مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية مسعد بولس، تظهر تغيراً في الخطاب الرسمي، إذ بات واضحاً أن واشنطن لا تعول على نصر عسكري لطرف من دون آخر، بل تقر بأن الحل الوحيد هو وقف تام للحرب، والدخول في مسار سياسي شامل، تشارك فيه القوى المدنية الفاعلة. ومع أن التاريخ القريب يعلمنا الحذر من وعود أمريكية غير مكتملة، إلا أن ما يرشح من تحركات في جنيف ونيويورك وواشنطن، يشير إلى خطوات ملموسة نحو مقاربة جديدة، ولو بطيئة، قائمة على توحيد المبادرات، والضغط المزدوج: الترهيب والترغيب".
وبين المتحدث ذاته أنه "إذا أرادت واشنطن أن تكون جادة فعلاً، فإن أمامها وسائل عدة، تبدأ بـفرض حظر شامل للأسلحة والطيران والمدفعية الثقيلة على السودان، وتوسيع قائمة العقوبات لتشمل شركات وواجهات تجارية تمول المجهود الحربي، مع إطلاق عملية سياسية ذات صدقية، تشمل آلية دولية مستقلة لمراقبة وقف إطلاق النار، وتمكين المدنيين من صياغة المرحلة الانتقالية المقبلة".
وختم المتخصص في الشؤون السياسية والاستراتيجية قائلاً إنه "بالمجمل لدى الولايات المتحدة القدرة الكاملة على أن تكون جزءاً من الحل أو أن تستمر في موقع المتفرج المربك، وإذا ما اختارت الانخراط الإيجابي، فإن نجاحها سيعتمد على مدى استعدادها للتخلي عن سياسات إدارة الأزمة والتحول إلى قيادة مسار تسوية حقيقية عادلة سودانية الإرادة والمآل.
في المقابل، على القوى المدنية السودانية أن تملأ فراغ المبادرة، وتقدم رؤية موحدة تعبر عن مصالح الشعب السوداني بوضوح، حتى لا يفرض عليه حل دولي لا يمثل تطلعاته، بل يكرس خضوعه لمنطق الخارج".
عنجهية وصلف
من جانبها قالت أستاذة العلاقات الدولية في مركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة "الخرطوم" تماضر الطيب إن "السياسة الخارجية الأمريكية في ظل الإدارة الحالية يمكن أن نسميها ’سياسة ترمب الخارجية‘، لعدم اتباعه الطريقة المعروفة والمألوفة في سياسة ومنهج واشنطن تجاه القضايا الخارجية سواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا وغيرهما".
واعتبرت أن "السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الديمقراطيين تتسم بالمرونة عكس الجمهوريين الذين يميلون نحو العنجهية والصلف وفرض الأشياء، لكن يختلف الأمر من رئيس لآخر في عملية فرض القرارات وغيرها".
وتعتقد الطيب أن "ترمب ظل صامتاً لفترة عن الحرب الدائرة في السودان، مما يعني أنها ليس من أولوياته، لكنه يحاول الالتفات لهذه الحرب حين يشعر بأنها تهدد أمنه القومي من خلال مصالحه في المنطقة أو مصالح حلفائه".
وزادت "لا أريد أن أستبق ما يمكن أن يحدث من جانب الولايات المتحدة تجاه السودان من ناحية تدخلها في إيجاد حل لهذه الحرب، وبحسب اعتقادي فإن إدارة ترمب ليس لديها سياسة الجزرة والعصا، لكن لديها العصا، وبالتالي فإن مسألة التهديد والوعيد هي المرجح استخدامها من واشنطن، وذلك بوضع نقاط محددة للتعامل مع قضية الحرب في البلاد".
وواصلت "عليه أستطيع القول إن ما يجري من واشنطن لإيجاد حل للصراع في السودان، ليس كالطريقة التي عهدناها في حل المشكلات أو التدخل في حالة الحروب وغيره، وهو ما رأيناه في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة والعدوان على لبنان وعلى سوريا، وكذلك حرب إسرائيل - ايران، وبالتالي لا أتوقع أن يكون هناك نوع من المرونة في التعامل مع حرب السودان".
ومضت أستاذة العلاقات الدولية في مركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة "الخرطوم" في القول إنه "إذا أرادت واشنطن حلاً للصراع القائم في السودان فستفرضه على الطرفين (الجيش وقوات الدعم السريع)، لكن حتى الآن لن نستطيع التكهن بالوسائل التي يمكن أن تتبعها الادارة الأمريكية لتقديم حلول لإنهاء الحرب السودانية".