في وقت بات إقليم كردفان أكثر جبهات القتال اشتعالاً بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، في ضوء استمرار الطرفين في الدفع بتعزيزات عسكرية وحشود ضخمة من المقاتلين والعتاد في مختلف المحاور، أفادت مصادر عسكرية بأن معارك عنيفة دارت بين القوتين، أمس الأحد، في المناطق الواقعة غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، ومدينة بابنوسة أبرز مدن ولاية غرب كردفان.
وبحسب تلك المصادر، فإن سلاح الجو التابع للجيش استهدف بطيرانه المسير مواقع "الدعم السريع" في محور غرب مدينة الأبيض الذي يعد أكثر المحاور حراكاً لما يشهده من مواجهات مستمرة وعمليات كر وفر خلال الأيام الماضية، في حين وقعت مناوشات بين الطرفين سرعان ما تحولت إلى اشتباكات في هذا المحور.
صد الهجوم
أفادت المصادر نفسها بتمكن الجيش من صد هجوم واسع شنته "الدعم السريع" على مقر الفرقة 22 مشاة في بابنوسة، يعد من أعنف المحاولات لاختراق خطوط الجيش في هذه المدينة خلال الأسابيع الأخيرة، بيد أن الجانبين تبادلا القصف المدفعي بصورة مكثفة، إذ استهدف الجيش تجمعات وحشود "الدعم السريع" في محيط المدينة ووسطها، بينما صوبت الأخيرة مدفعيتها باتجاه الفرقة 22 مشاة بعد توغلها في المحورين الشمالي والغربي للمدينة.
ووفقاً للمصادر، فإن الهجوم بدأ في الساعات الأولى من الصباح، إذ دفعت "الدعم السريع" بعدد كبير من المقاتلين والمركبات القتالية في محاولة لفتح ثغرة شرق مدينة بابنوسة، مستغلة الظلام والغطاء الناري المتدرج، لافتة إلى أن الهجوم هدفه تعطيل تقدم الجيش في محاور كردفان.
وبينت المصادر أن "الدعم السريع" تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، بينما ظلت خطوط الجيش ثابتة من دون أي اختراق.
في المقابل، بث أفراد من "الدعم السريع" مقطع فيديو مصوراً أكدوا خلاله تحقيقهم انتصارات كبيرة في محور مدينة بابنوسة، وأنهم يواصلون القتال بكل ثبات وعزيمة للزحف قريباً نحو مقر الفرقة 22 مشاة.
وتعد الفرقة 22 مشاة إحدى أهم الوحدات العسكرية التي تعتمد عليها القوات المسلحة في محاور كردفان، وقد نفذت خلال الفترة الماضية عدداً من العمليات الناجحة لاستعادة مناطق استراتيجية وتأمين الطرق الحيوية.
تمشيط أم صميمة
في الأثناء، قام الجيش بعملية تمشيط واسعة في محور أم صميمة بولاية شمال كردفان، وذلك بعد معارك عنيفة خاضها الأسبوع الماضي في هذا المحور.
وتعد أم صميمة منطقة إستراتيجية تبعد نحو 50 كيلومتراً غربي مدينة الأبيِض، وتربط ولاية شمال كردفان بولاية غرب كردفان.
وتحتدم المعارك حالياً في إقليم كردفان بعدما سيطرت قوات "الدعم السريع" في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مدينة الفاشر، إذ تتسم جغرافية السيطرة في هذا الإقليم بالتغير السريع والمستمر بسبب المعارك المتجددة بين الطرفين، فقوات "الدعم السريع" تسعى إلى ربط دارفور بوسط السودان عبر السيطرة على مدن مثل بابنوسة وبارا، بينما يسعى الجيش إلى استعادة المدن الإستراتيجية مثل الأبيض والنهود، مما يجعل الإقليم ساحة قتال رئيسة تعكس التحولات في موازين القوى.
توافد النازحين
في محور دارفور، يستمر توافد آلاف الفارين من الفاشر إلى منطقة طويلة بولاية شمال دارفور التي باتت مأوى لـ655 ألف نازح، معظمهم فروا من الفاشر، إذ يقيم 21 في المئة منهم في المخيمات، بينما استقر 74 في المئة في مستوطنات عشوائية وأماكن تجمع مفتوحة.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف"، فإن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم في منطقة طويلة، مشيرة إلى أنها لاحظت خلال زيارتها إلى طويلة في اليومين الماضيين استمرار توافد الأطفال والأمهات بشكل مستمر، وهم في حالة إرهاق شديد وجوع ورعب.
وأشار إلى أن الاحتياجات هائلة، إذ يحتاج النازحون إلى مزيد من الدعم لتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، ودعم المرافق الصحية والعيادات المتنقلة، والمساعدة في تطعيم الأطفال.
التخلص من الجثث
إلى ذلك، أكد تقرير حديث أن قوات "الدعم السريع" لا تزال تتخلص من جثث المدنيين داخل مدينة الفاشر عبر حفر مقابر جماعية، بما في ذلك داخل المناطق السكنية، إضافة إلى حرق الرفات ودفنها.
وأشار التقرير الذي أعده مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لجامعة ييل الأميركية، إلى أن المختبر الأميركي وثق أجساماً محترقة ووجود حفر على الأرض عبر صور الأقمار الاصطناعية، مرجحاً أن "الدعم السريع" لا تزال تجري عمليات التخلص من الجثث في مناطق كانت تضم عدداً من المدنيين قبل سيطرتها على الفاشر في 26 أكتوبر الماضي.
وبين المختبر أن الأدلة تتفق مع عمليات القتل الجماعي التي نفذتها قوات "الدعم السريع" بالقرب من المستشفى السعودي وحي الدرجة، وهي مواقع كانت مكتظة بالمدنيين قبل وصول هذه القوات، لافتاً إلى أن هناك حالات محدودة من تلال دفن فردية ظهرت حديثاً في صور الأقمار الاصطناعية بين 26 و28 أكتوبر.
ونوه التقرير إلى أنه تم رصد خمسة تلال في مقبرة الرحمة وتلتين محتملتين في مقبرة حي الدرجة لا تزالان قيد التحقيق، ومع ذلك لا يبدو أن عمليات الدفن فردية، إذ استمرت حتى 28 أكتوبر، وتم إنشاء جميع تلال الدفن المؤكدة والمحتملة.
خريطة طريق لإنهاء الحرب
في غضون ذلك، انتقد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، أمس الأحد، المقترح الأميركي للهدنة، معتبراً أن "بعض الحلول المقدمة" لإنهاء الحرب "عبارة عن دعوات صريحة لتقسيم السودان".
وقال البرهان خلال اجتماع له مع كبار ضباط الجيش، إن الورقة التي قدمها المبعوث الأميركي مسعد بولس "تعد أسوأ ورقة يتم تقديمها باعتبار أنها تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي الميليشيات المتمردة (قوات الدعم السريع) في مناطقها".
وأشار إلى أن الحكومة قدمت رداً على ورقة التفاوض الأولية بخريطة طريق لإنهاء الحرب، تقوم على انسحاب "الدعم السريع" من المناطق التي سيطرت عليها بعد منبر جدة، على أن تتجمع في مناطق متفق عليها، تمهيداً لمرحلة عودة النازحين إلى ديارهم ووصول الإغاثة وإعادة الإعمار، حيث يلي ذلك التفاوض.
ونوه إلى أن الحكومة ردت على ورقة التفاوض الثانية بخريطة الطريق التي محورها الانسحاب وإعادة التجميع وتطبيع الحياة وعودة النازحين وإطلاق الحوار السوداني - السوداني.
وأشاد البرهان بمبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومساعيه الرامية إلى تحقيق السلام في السودان، مؤكداً أنه سيتعاطى مع هذه المبادرة بما يتيح إنهاء الحرب بـ"الطريقة المثالية التي تريح كل السودانيين"، ومعتبراً أنها "فرصة لتجنيب بلادنا الدمار والتمزق".
وقال البرهان، إن "السودانيين الذين اكتووا بنيران هذه الحرب ينظرون بعين الرضا والتقدير لجهود ولي العهد السعودي"، معتبراً أن "هذه المبادرة فرصة لتجنيب بلادنا الدمار والتمزق".
وأضاف، "نحن نعول على هذه المبادرة، ونعدها صوت الحق، وصوت المنطقة باعتبار أن أمن البحر الأحمر يهم الجميع"، ومضى قائلاً، "سنتعاطى مع هذه المبادرة بما يتيح إنهاء الحرب بالطريقة المثالية التي تريح كل السودانيين".
(اندبندنت عربية)