في تطور حول السجالات الكلامية بين مسؤولين إثيوبيين وإريتريين تنذر باندلاع حرب جديدة بين البلدين، قال سفير إثيوبيا في كينيا الجنرال المتقاعد باشا دبلي إن ميناء عصب كان "ثروة إثيوبيا وسيعود إليها بالقوة".
وأضاف السفير الإثيوبي الذي تقلد مناصب عليا في الجيش سابقاً، في تصريح إن "السؤال ليس إذا كان ميناء عصب لنا، وإنما كيف نستعيده؟"، مشيراً إلى أن استقلال إريتريا تحقق عندما تم إسقاط النظام الذي كان يحكم إثيوبيا بالقوة العسكرية "نتيجة تآمر الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مع نظيرتها الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا ضد مصالح البلاد"، مضيفاً أن المنفذ البحري الذي فقدته إثيوبيا بالقوة العسكرية سوف تستعيده مرة أخرى بالقوة العسكرية، مشيراً إلى أن ثمة جيلاً جديداً في إثيوبيا الآن يسعى إلى استعادة مجدها بالتفاهم مع الحكومة التي تنتمي إلى الجيل ذاته.
ورفض دبلي أن تعد استعادة عصب خرقاً للسيادة الإريترية، وقال إن "النظام الإريتري هو من بدأ بانتهاك السيادة الإثيوبية من خلال دعم جماعات متمردة ضد أديس أبابا"، مشيراً إلى أن القانون الدولي يمنح إثيوبيا حق الرد على تلك الانتهاكات بالطريقة التي تناسبها، بما في ذلك استعادة ميناء عصب، منوهاً إلى أن القيادة الإريترية تدرك جيداً أن تحركنا جدي وبإمكاننا تنفيذ هذه الوعود.
وكان قائد أركان الحرب بيرهانو جولا قد قال لجنوده في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إنهم سيقاتلون دولة منعت إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر، في إشارة إلى إريتريا، وسأل "عدد سكاننا اليوم 130 مليوناً وسيصل إلى 200 مليون في السنوات الـ 15 المقبلة، فكيف لمصلحة مليونين (إشارة إلى إريتريا) أن تلغي مصلحة 200 مليون؟".
وتعد هذه المرة الأولى التي تؤكد فيها إثيوبيا على لسان قادة جيشها أنها ستستعيد الميناء الإريتري بالقوة وليس بالمفاوضات، إذ سبق وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن سعي بلاده لاستعادة ميناء عصب لن تتم عبر القوة العسكرية، وأن حكومته تحبذ الوسائل السلمية للحصول على منفذ بحري في السواحل الإريترية.
وقال، الشهر الماضي، أمام البرلمان الإثيوبي إنه طلب من كل من الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والاتحاد الأوربي ممارسة الضغوط على أسمرة لقبول الحوار حول حصول بلاده على منفذ بحري في البحر الأحمر.
ردود مقتضبه
أمام التهديدات المتكررة اقتصرت ردود إريتريا على بيانات مقتضبة نشرها وزير إعلامها يماني قبري مسكيل الذي دان محاولات النظام الإثيوبي للوصول إلى البحر الأحمر بشكل ينتهك القانون الدولي وميثاقي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وحذّر من أن محاولة إضفاء الشرعية على "العدوان السافر" ستكون لها تبعات خطيرة على إثيوبيا وجيرانها، وأن ذلك "خط أحمر لا ينبغي تجاوزه".
كما حذر قائد أركان الجيش الإريتري فيلبوس ولديوهانيس، في تقرير نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، القادة الإثيوبيين من الدفع نحو مستنقع الحرب، وقال "مصير كل من يتعدى الخط الأحمر هو أن يهوي إلى جحيم، ولن تتاح له فرصة الخروج منه مرة أخرى".
فقرات غنائية راقصة
من جهتها، نشطت مواقع إلكترونية من النظام الإريتري في نشر مقاطع فيديو تعود لفترة نهاية ثمانينيات القرن الماضي، تظهر السفير الإثيوبي الجنرال باشا دبلي، وهو يؤدي فقرات غنائية راقصة أثناء فترة أسره من قبل الثورة الإريترية، وأخرى تتضمن إشادته بمسيرة الكفاح المسلح الإريتري من أجل الاستقلال.
وكان دبلي وقع في الأسر جراء المعارك التي كانت تدور بين جيش الكولونيل الإثيوبي منفغستو هيلا مريام والقوات الإريترية، وقضى نحو 5 سنوات بالأسر قبل أن يتم إطلاقه.
حملة دعائية
بدوره، رأى المختص في شؤون منطقة القرن الأفريقي عبد الرحمن أبو هاشم أن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإثيوبيين ترتكز على هدفين أساسيين "أولاً، إبعاد الرأي العام الإثيوبي عن مناقشة القضايا الداخلية الملحّة، مثل تدهور الأمن، والانهيار الاقتصادي، وتصاعد العنف واتساع نفوذ الحركات المسلحة التي باتت تسيطر على مناطق واسعة في إقليمي الأورومو والأمهرة، فضلاً عن خروج إقليم تيغراي عن سيطرة السلطة المركزية في أديس أبابا.
وثانياً، الترويج لفكرة أن مشكلات إثيوبيا ناتجة من حرمانها من منفذ بحري على البحر الأحمر، في محاولة واضحة لتصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، بما في ذلك إريتريا المجاورة فضلاً عن دول أخرى بعيدة نسبياً مثل مصر، ومحاولة إشغال الرأي العام الإثيوبي بحلم الحصول على منفذ بحري للدولة الحبيسة، لا سيما بعد انتهاء النزاع حول سد النهضة".
وأوضح أبو هاشم "أن الخطاب الصادر عن النخب الإثيوبية الحاكمة يعكس تجاهلاً متعمّداً للقانون الدولي وقانون البحار اللذين ينصّان على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها واستقلالها، كذلك مسألة استخدام الموانئ البحرية متاحة لإثيوبيا، ولم تمنعها أية دولة من استخدام موانئها في إطار ما يكفله القانون الدولي شرط أن يتم التعاون عبر التفاوض السلمي مع الدول الساحلية، وفي إطار احترام سيادتها ومصالحها الوطنية وليس عبر التهديد والوعيد".
أحلام التوسع
أضاف أبو هاشم "أن صانعي القرار في إثيوبيا لا يسعون إلى تحقيق هدف الاستفادة من الموانئ المجاورة، بل للسيطرة عليها واقتطاع أجزاء من الأراضي الإريترية والصومالية، وهو ما رفضته هذه الدول بشكل قاطع".
ولفت إلى أن الادعاء أن ميناء عصب يعود لإثيوبيا وأنه "أخذ بالقوة يفتقد الدقة ولا يستند إلى أي أساس تاريخي أو قانوني، فميناء عصب كان من المناطق الأولى التي تشكّلت منها مستعمرة إريتريا الإيطالية، وبقي جزءاً لا يتجزأ من حدودها في العهود الإيطالية والبريطانية، وحتى خلال فترة الإحتلال الإثيوبي لاحقاً، ومع تحرير إريتريا، تم اعتماد الخريطة الاستعمارية ككل الدول الأفريقية التي استقلت عن الاستعمار الأوروبي".
وأشار إلى أن الاستفتاء الذي رعته الأمم المتحدة في إريتريا، عام 1993، في حضور وفد رسمي رفيع من الحكومة الإثيوبية، تم وفق هذه المبادئ الأساسية والخريطة السياسية الموثقة والمعتمدة في الأمم المتحدة، "ومن ثم فان إريتريا تعد وحدة واحدة، وهي دولة مستقلة وذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، ولا يمكن الادعاء بملكية جزء منها تحت أي مسوغ قانوني أو سياسي أو اقتصادي".
وتابع المختص في شؤون المنطقة "أن اتفاقية الجزائر لوقف الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، الموقّعة برعاية دولية واسعة في 12 ديسمبر/ كانون الأول عام 2000، تمثل إطاراً قانونياً مضافاً يؤكد حدود كل من البلدين، كذلك يوثق قرار محكمة لاهاي الصادر في أبريل عام 2004 بشأن الحدود الإريترية – الإثيوبية، تبعية ميناء عصب لإريتريا، وليس ثمة أي مسوغ يؤكد عكس ذلك، ومن ثم فإن تصريحات آبي أحمد وقادة جيشه ليست سوى تصريحات سياسية للاستهلاك الداخلي".
وأكد أن الخطاب المعتمد من قبل أديس أبابا يتضمن نزعات توسعية لا يمكن التأكد من مدى جديتها، مشيراً إلى أن "المنطقة كانت قد شهدت تباشير مهمة للتعاون والتكامل بخاصة على أثر الاتفاقية التي وقّعها زعيما البلدين عام 2018 برعاية السعودية في جدة، إلا أن تلك الجهود قد ذهبت أدراج الرياح بعد إعلان أديس أبابا سعيها لامتلاك منفذ بحري على السواحل الإريترية ثم الصومالية".
مؤشرات إيجابية
وسط هذه الأجواء، رأى المختص في الشأن الإثيوبي بيهون غيدوان أن ثمة مؤشرات إيجابية بدأت تتبلور في الفترة الأخيرة، موضحاً "أن أديس أبابا قدمت خطتها للحوار مع أسمرة سواء عبر دول وسيطة أو عبر الإعلان المباشر ما يؤكد عدم رغبتها في إشعال حرب جديدة في المنطقة".
ودلل غيدوان على هذا الأمر بخطاب رئيس الوزراء الإثيوبي الأخير في البرلمان، إذ قال إنه طلب من الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأفريقية التوسط لإنهاء الخلافات القائمة مع أسمرة حول المنفذ البحري.
وأضاف أن السفارة الإثيوبية في بكين أصدرت، منذ أيام عدة، بياناً طلبت فيه من السلطات الصينية ممارسة مزيد من الضغوط على أسمرة للقبول بوساطة تطرح كل القضايا الخلافية على طاولة المفاوضات، مؤكداً أن إثيوبيا "تعلم جيداً مدى تأثير الصين على قرارات أسمرة لجهة العلاقات المتقدمة التي تربط العاصمتين".
وأوضح المحلل الإثيوبي أن ثمة معلومات أخرى أشارت إلى أن آبي أحمد طلب من الرئيس الكيني وليام روتو التوسط بينه وبين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لإنهاء أزمة المنافذ البحرية وتجنيب المنطقة وشعبي البلدين ويلات الحروب. ولفت إلى أن روتو كلّف رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الوطنية الكينية نور الدين حاجي لاستكشاف سبل التوسط لإطلاق مفاوضات بين أسمرة وأديس أبابا.
وختم بيهون أن "الجهود الإثيوبية غالباً ما تقابل بتجاهل إريتري وعدم الرغبة في التعاطي مع أي مبادرات تخص مشروع إثيوبيا حول مستقبل الموانئ".
(اندبندنت عربية)