7 ديسمبر 2025
7 ديسمبر 2025
يمن فريدم-فخر العزب
(صالح العبيدي/فرانس برس)


تكثّف السعودية حراكها لاحتواء التوتر في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن وتحجيم تمدد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد أن تحولت المحافظتان إلى بؤرة مواجهة سياسية عسكرية جديدة بين حلفاء الشرعية اليمنية، إثر سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب اليمن عليهما، حيث تُصعِّد السعودية ضغوطها لانسحاب قوات "الانتقالي" من بعض المواقع، وتحويل إدارة بعض المناطق إلى تشكيلات عسكرية أخرى مدعومة سعودياً وهي "قوات درع الوطن".

وفد سعودي في حضرموت

وفيما يتولى الحراك السعودي، رئيس اللجنة الخاصة السعودية اللواء محمد عبيد القحطاني، في انعكاس للأهمية التي توليها الرياض للملف، انتقل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، من عدن إلى العاصمة السعودية الرياض، الجمعة، "لإجراء مشاورات مع الفاعلين الإقليميين، والدوليين، بشأن مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية".

كما نقلت عنه وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التي تديرها الشرعية تأكيده على "مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار"، وسط انتقادات وجهها يمنيون في الأيام الماضية للأداء الحكومي، والذي سمح باستحواذ قوات "الانتقالي" في حضرموت والمهرة قبل أن يفضي التحرك السعودي إلى بدء تحجيم سيطرته.

بموازاة ذلك، سجّل أمس انسحاب الجنود السعوديين المرابطين داخل قصر معاشيق الرئاسي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، بمعية الجنود السودانيين، مع المعدات العسكرية التابعة لهم. كما غادرت وحدات عسكرية سعودية مواقعها في جزيرة ميون القريبة من باب المندب، في إطار خطة إعادة تموضع شاملة للقوات السعودية في اليمن لم يكشف عن تفاصيلها رسمياً من الجانب السعودي حتى الآن.

وتبعت ذلك سيطرة قوات العاصفة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، والتي يقودها اللواء محمد قاسم الزبيدي، شقيق عضو المجلس الرئاسي اليمني، رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، على قصر معاشيق لساعات، فيما سُمح لقوات الحماية الرئاسية بالانسحاب من القصر بأسلحتها الشخصية. لكن بعد ساعات، عادت وحدات الحماية الرئاسية إلى مواقعها داخل القصر الرئاسي، كما عادت قوات العاصفة للمرابطة في مواقعها في البوابات الخارجية للقصر.

وجاء تحشيد المجلس الانتقالي الجنوبي لقواته والتوجه إلى محافظة حضرموت النفطية شرقي اليمن متسارعاً وبشكل دراماتيكي، حيث أطلقت ما تسمى بـ"القوات المسلحة الجنوبية" عملية "المستقبل الواعد"، والتي قالت إن هدفها "تحرير وتطهير مدن ومناطق وادي وصحراء حضرموت من التنظيمات الإرهابية والمليشيات الإخوانية وقطع شرايين تهريب السلاح الإيراني للمليشيات الحوثية".

وخلال أقل من أسبوع، نجحت قوات "الانتقالي" بالسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة اللتين تمثلان نصف مساحة الجمهورية اليمنية (تقدر مساحة حضرموت بـ36% من مساحة اليمن، وتعدّ المهرة ثاني أكبر المحافظات اليمنية بعدها)، وهي السيطرة التي قوبلت بصمت من مجلس القيادة الرئاسي الذي رفض أعضاؤه التعليق على تحركات "الانتقالي" العسكرية.

أما وزير الدفاع في الحكومة المعترف بها دولياً، الفريق الركن محسن الداعري، فقد غادر العاصمة المؤقتة عدن تزامناً مع تحشيد "الانتقالي"، متوجهاً إلى القاهرة للمشاركة في "المعرض الدولي الرابع للصناعات الدفاعية".

وعلى الأرض، كان قائد المنطقة العسكرية الأولى، قائد اللواء 37 مدرع، اللواء الركن صالح الجعيملاني، يصدر توجيهاته لجميع الضباط بعدم المقاومة والتسليم، مع تهديدات للضباط في حال عدم الاستجابة، وهو ما جعل المنطقة العسكرية تسلّم وادي حضرموت بسلاسة، على الرغم من أنها تضم ستة ألوية عسكرية كاملة التسليح، بما في ذلك مئات الدبّابات وعشرات المروحيات وصواريخ متطورة، وسلاح ثقيل، وعتاد عسكري هو الأضخم بين المناطق العسكرية السبع.

هذه التطورات المفاجئة، جعلت السعودية تبادر إلى إرسال وفد أمني كبير برئاسة اللواء محمد عبيد القحطاني، يوم الأربعاء الماضي، حمل موقف الرياض الداعي إلى "منع انزلاق حضرموت إلى أي مسار عسكري داخلي"، كما حمل رسالة اعتراض مفادها بأن الرياض لن تسمح بدخول أي قوات عسكرية أو تشكيلات أمنية وصلت من خارج المحافظة.

وزار الوفد السعودي، مدينة المكلا عاصمة حضرموت، والتقى مع قيادات رسمية وعسكرية وشخصيات قبلية واجتماعية فيها، مطالباً بخروج أي قوات عسكرية أو تشكيلات أمنية وصلت من خارج المحافظة.

وقد بادر الوفد السعودي لاحتواء التوتر العسكري الذي اندلعت قرب منشآت نفطية استراتيجية في المحافظة، من خلال رعايته، الأربعاء الماضي، اتفاق تهدئة بين السلطة المحلية بحضرموت وحلف قبائل حضرموت المطالب بالحكم الذاتي للمحافظة، برئاسة عمرو بن حبريش، حيث ركّز اتفاق التهدئة على وقف التصعيد فوراً وإعادة ضبط الوضع الميداني حول المنشآت النفطية.

لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، تجاهل في اليوم التالي، الرسائل السياسية للسعودية، وأعلن أن قواته أعادت انتشارها في محيط الشركات النفطية في هضبة حضرموت، وبسطت سيطرتها على جميع النقاط والمواقع، وذلك عقب هجوم شنّته على قوات حماية حضرموت التابعة لحلف قبائل حضرموت. كما أعلن "الانتقالي الجنوبي" سيطرة قواته على محافظة المهرة شرقي البلاد، على الحدود مع سلطنة عُمان، بعد أن سلّمتها القيادات العسكرية من دون قتال.

وحمَّل حلف قبائل حضرموت، أول من أمس، دولة الإمارات كامل المسؤولية عن قيام "المليشيات بنقض الاتفاق الموقّع مع السلطة المحلية برعاية سعودية، والتي هاجمت مواقع الحلف، كونها الداعمة بالمال والسلاح لتلك المجاميع".

وبالتزامن دعا اللواء القحطاني، يوم الجمعة، خلال اجتماع له مع محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، بحضور قيادات سياسية واجتماعية وعسكرية، إلى انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت وتسليم مواقعها لقوات درع الوطن، مؤكداً أن مهمة فريقه تمثل "امتداداً للجهد السياسي الذي تبذله قيادة المملكة لتهدئة الوضع في حضرموت وتجنيبها أي صدامات عسكرية"، مضيفاً أن الرياض "ترفض أي عمليات عسكرية داخل المحافظة وتدعم إعادة الأوضاع إلى طبيعتها ومنع الاحتكاكات بين القوات".

وشدّد اللواء القحطاني، وفق ما نقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التابعة للحكومة الشرعية، على "ضرورة عودة جميع القوات التي قدمت من خارج حضرموت إلى معسكراتها، وتسليم المواقع إلى قوات درع الوطن"، مشيراً إلى "سلمية المجتمع الحضرمي، وخصوصية محافظة حضرموت المتماسكة اجتماعياً، وعلاقاتها التاريخية والاجتماعية مع المملكة".

من هي قوات درع الوطن؟

قوات درع الوطن هي قوات عسكرية أنشئت بقرار جمهوري في عام 2023، ونصّ قرار إنشائها على أن تكون هذه القوات "احتياطي القائد الأعلى للقوات المسلحة"، وتمّ تعيين العميد بشير الصبيحي قائداً لهذه القوات.

وهذه القوات مدعومة تماماً من السعودية وتضم مجموعات ذات خلفيات قبلية وسلفية، ولا ترفع علم الجمهورية اليمنية ولا علم الانفصال، على الرغم من إيمانها بالوحدة اليمنية.

ولا يوجد إحصائية محددة لعدد أفراد هذه القوات نتيجة الاستمرار بالتجنيد، غير أن تقديرات تشير إلى أن عددهم حوالي 50 ألف مقاتل، وتضم حوالي 20 لواء عسكرياً، وتتخذ من منطقة الوديعة الحدودية بين اليمن والسعودية معسكراً تدريبياً لها، وتنتشر بعض وحداتها في عدد من المحافظات مثل عدن ومأرب والجوف وشبوة.

وأعلنت قوات درع الوطن، الجمعة، عن إتمام استلام معسكر نشطون بمحافظة المهرة ضمن ترتيبات لتعزيز الأمن وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن "العملية تمّت وفق ضوابط وإجراءات رسمية"، ومؤكدة حرصها على "تطبيق القوانين العسكرية وضمان انسيابية الحياة المدنية في المحافظة".

كما أعلنت عن تأمين مطار الغيضة الدولي، بمدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة، واستلام وتأمين مبنى الاستخبارات العسكرية، إلى جانب تأمين السجن المركزي، وقوة البحث الجنائي، ومصلحة الجوازات، في إطار جهودها لتعزيز الأمن والاستقرار بالمحافظة.

وكانت هذه القوات أعلنت الخميس الماضي، أنها باشرت استلام اللواء 23 ميكا والمواقع العسكرية التابعة له في مديرية العبر بمحافظة حضرموت، وكذا تأمين خطي العبر – الخشعة والعبر – الوديعة في المحافظة.

وأكدت "درع الوطن" دعمها لـ"الجهود المبذولة لتعزيز الأمن والاستقرار في حضرموت"، مجددة "جاهزيتها لتحمل مسؤولياتها الوطنية والعمل إلى جانب السلطة المحلية والأشقاء في السعودية لضمان استقرار حضرموت وحماية مؤسساتها ومواطنيها".

الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، عاصم المجاهد، توقع في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يتخذ المجلس الانتقالي في مواجهة التحرك السعودي، موقفاً مزدوجاً، حيث سيعلن قبولاً شكلياً لأي مسعى للتسوية إذا رافقته ضمانات سياسية ومنافع مؤسساتية (مناصب إدارية أو مشاركة في عائدات النفط والمنافذ)، لكنه عملياً لن ينسحب من مواقع استراتيجية ما لم يضمن استبدالها بقوة حليفة تضمن نفوذه المحلي، فتاريخياً أثبت المجلس قدرته على المراوغة والتفاوض بينما يحافظ على موطئ قدم عسكري وسياسي، وفق الباحث. لذلك فإن التراجع الكامل لـ"الانتقالي" عن حضرموت والمهرة يبدو غير مرجح، وفق المجاهد، ما لم يتضمن الاتفاق تنازلات إماراتية ملموسة أو ضغوطاً سعودية متزايدة مدعومة بآليات تنفيذ فعلية، على حد وصفه.

وأوضح المجاهد أن نجاح الرياض في تحجيم "الانتقالي" ليس أمراً محسوماً، فالسعودية تملك أوراق ضغط سياسية ودبلوماسية وموارد لإنشاء قوى أمنية بديلة لكنها تواجه قيوداً واقعية، وهي استمرار وجود قواعد ولاء محلية لـ"الانتقالي"، وتعقيدات تحالفات الإمارات، وحساسية الوضع في المناطق الشرقية مع وجود قاعدة مؤثرة لـ"الانتقالي"، مشدداً على أن أهداف السعودية واضحة وهي تأمين المناطق الشرقية النفطية والمطارات والموانئ، ومنع أي تحول يهدّد خطوط إمدادها أو استقرار الحدود الجنوبية، واستعادة دور الوسيط، وحجز النفوذ أمام النفوذ الإماراتي، لذلك ستحاول الرياض استبدال النفوذ العسكري المباشر للمجلس الانتقالي بوجود مؤسساتي وقوات أكثر ولاءً لسياساتها، لكن ذلك يتطلب وقتاً وتوافقاً إقليمياً قد لا يتوفر بسرعة، بحسب اعتقاده.

وأشار المجاهد إلى أن الهدف الاستراتيجي خلف دفع قوات درع الوطن، واضح، وهو خلق قوة يُعهد إليها بحراسة المنشآت الحيوية، وفتح ممرات للتأثير السياسي بديلة عن "الانتقالي"، مع محاولة إضفاء شرعية محلية (عبر تفاهمات قبلية ومحلية) لوجودها. ولفت إلى أنه "من حيث الكفاءة القتالية، فهذه القوات تستمد دعماً لوجستياً وعتادياً من الرياض، لكنها تفتقر حتى الآن إلى البنية التنظيمية والشبكات المحلية الراسخة التي يمتلكها الانتقالي".

واعتبر أن أي قدرة لـ"درع الوطن" على لعب دور مستقبلي رئيسي ستعتمد على عاملين: مدى عمق الدعم السعودي (تدريب، تسليح، قيادة موحدة)، ومدى قدرتها على بناء قنوات تحالف قبلي ومحلية تقنع السكان بأن وجودها هو خدمة للأمن لا تنفيذاً لأجندات، وفي المدى القصير ستؤدي درع الوطن دوراً موازياً، وقد تملأ فراغاً في بعض المواقع، لكنها ليست بديلاً فورياً وحاسماً عن الانتقالي على مستوى النفوذ السياسي والاجتماعي، وفق شرحه.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي سعيد عقلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لا مجال أمام "الانتقالي الجنوبي" سوى الانصياع للتوجيهات السعودية، معتبراً أن "سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت والمهرة كانت تصعيداً غير مدروس من الإمارات، وتوجه من طرف واحد في إطار قيادة التحالف العربي (السعودية والإمارات)".

ولفت إلى أن حضرموت والمهرة هما العمق الاستراتيجي وخط الدفاع الأول عن أمن واستقرار المملكة، ولذا فاستقرار المحافظتين الشرقيتين لليمن يمثل خطاً أحمر بالنسبة للسعودية، وهي تدرك أن أي تهديد لوحدة اليمن يمثل تهديداً لأمنها، ولن تقبل بانفصال اليمن بأي حال من الأحوال، لكنها بالتوازي مع ذلك تدرك أنها بحاجة إلى إعادة ترتيب ملف نفوذها في اليمن، ولذا فقد بادرت إلى تبني تشكيل قوات درع الوطن.

(العربي الجديد)

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI