يعيش اليمن في ظل أزمات اقتصادية وإنسانية منذ اندلاع الحرب، معاناة يتكبدها المواطنين في مختلف المحافظات المحررة والواقعة تحت سيطرة الحوثيين، ولا مؤشرات لانتهاء الحرب أو الأزمات التي تعيشها البلاد.
أنهارت مؤسسة الدولة وبات الفساد مستشري في كل القطاعات الحكومية، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة من قبل الجهات المختصة، مصلحة الهجرة والجوازات واحدة من بين القطاعات التي طالتها يد الحرب والفساد، وأصبح امتلاك جواز سفر حلم لطابور طويل من المواطنين كل صباح أمام بوابة مكتب مصلحة الهجرة والجوازات في مدينة تعز.
في ديسمبر من العام 2018 أصدر وزير الداخلية اليمني قرارا بعدم القبول والاعتراف بالجوازات التي تصدر من مناطق سيطرة الحوثيين، واقتصرت عملية إصدار جوازات السفر على ست محافظات يمنية محررة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، الأمر الذي فاقم معاناة القاطنين في بقية المحافظات تحت قضبة الحوثيين.
مواطنون من مختلف المحافظات خارج تعز، يقطعون آلاف الكليو مترات في طرقات فرعية وجبلية للوصول إلى المدينة المحاصرة واستخراج جواز سفر يمكنهم من مغادرة البلاد، مرضى وطلاب، مواطنون ينشدون الغربة للبحث عن مصدر دخل، كبار في السن وشباب في مقتبل العمر، كلهم يصطفون في طابور طويل بين حرارة الشمس.
خارج الطابور
ينص قانون الجرائم والعقوبات اليمني في مادته (155) على معاقبة كلًا من الراشي والمرتشي وحتى الشخص الوسيط بينهم، وتنص المادة (154) على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل من عرض على موظف عام عطية أو مزية وعد بها لإدلاء عمل أو الامتناع عن عمل..." لكن الغريب في الأمر أن السماسرة أصبحوا يمتلكوا مكاتب رسمية لإصدار الجوازات مقابل مبالغ مالية باهضه.
المواطن "محمد المغني" قدم من محافظة ذمار إلى تعز من أجل استخراج جواز سفر له ولوالدته التي تشكوا من مرض السرطان "قرر الأطباء سفر أمي إلى مصر من أجل استكمال العلاج، نزلت إلى تعز، ولكن استخراج الجوازات أصبحت عملية معقدة ومتعبة، اضطررت لدفع مبلغ 800 ريال سعودي لأحد السماسرة من أجل استخراج الجوازات خلال أيام قليلة".
ليس "محمد" سوى واحد من بين العشرات الذين وقعوا ضحايا لسماسرة الجوازات في تعز الذين يستغلوا حاجة الناس في السفر ويستخرجون الجوازات لهم خلال أيام معدودات، ومن أراد الإسراع في إصدار جوازه ما عليه سوى أن يدفع مبلغ أكبر.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فخلال السنة الماضية انتشرت العديد من الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي لمكاتب سفر رسيمة تستطيع استخراج الجوازات بدون حضور الشخص نفسه إلى مصلحة الهجرة والجوازات، ويتراوح سعر الجواز الواحد من 1500 إلى 1700 ريال سعودي، ويصلك الجواز بعد بضعة أيام، على الرغم من أن القانون اليمني لا يسمح لوكالات السفر والسياحة بالعمل في "سمسرة الجوازات"، ويعاقب بالإغلاق والتوقيف كل من يخالف ذلك.
توضيح رسمي
مدير مصلحة الجوازات في تعز، صادق الدباني، قال إنه خلال الأيام الماضية وصلت كمية من دفاتر الجوازات، مشيرًا إلى أنه سيتم طباعة جميع المعاملات المتأخرة، وحذر من "الانجرار وراء السماسرة أو أي عملية احتيال قد تتم تحت مسمى طباعة جوازاتكم أو تخليص المعاملات".
وأضاف "صادق" في تصريحه لموقع "يمن فريدم" قوله: " أول قرار أتخذته بعد تعيني مديرًا لمصلحة الهجرة والجوازات هو منع دخول السماسرة نهائيًا إلى مبنى إدارة الجوازات، وتم إيقاف استخراج الجوازات عن بعد، أما الجوازات المستعجلة فلا تتم إلا للمرضى والجرحى وبتقارير طبية رسمية".
عدن.. جوازات معلقة
ليست العاصمة المؤقتة عدن بأفضل حال من محافظة تعز، فسماسرة الجوازات تجدهم حيث ما وطئت قدمك، يتكرر مشهد الطوابير الطويلة والازدحام أمام النوافذ في انتظار اكمال المعاملات، وتعاد معاناة المواطنين في البحث عن سبيل عبور خارج الوطن الذي بات مثقلًا بالأزمات الاقتصادية وغلاء المعيشية.
"عبدالله القاضي" مواطن قادم من منطقة الحوبان بمدينة تعز، أختار عدن لاستخراج جواز سفره "سمعت عن معاناة المواطنين في تعز، وجشع السماسرة، قلت ربما قد تكون عدن أفضل بكثير لكنها لا تختلف أبدا عن تعز".
يضيف "عبدالله" في حديثه لموقع "يمن فريدم" قوله: " كانت أمي تود أن تزور بيت الله الحرام قبل موتها، لكننا لا نمتلك جوازات، تمنيت أن أحقق رغبة أمي لكن الأوضاع لا تسمح عرض علينا أن تستخرج جوازاتنا خلال أسبوع على أن ندفع مبلغ 900 ريال سعودي، لا أملك المبلغ فهو كبير مقارنة بالنسبة لدخلي، أربعة أشهر ولم تصدر جوازاتنا".
سماسرة
تواصلنا مع أحد السماسرة في عدن، مالك مكتب للسفر والسياحة، وتقدمنا إليه بطلب لاستخراج جواز سفر من عدن، وعلى الفور طلب من إرسال سند الجواز إليه، وبعد رفضنا وطلبنا بالإفصاح عن المبلغ الذي سندفعه " على الجواز الواحد 400 ريال سعودي، خمسون ريال لي، وثلاث مية وخمسون أدفعها مقابل طباعة الجواز". عند حد قوله.
ويتذيل جواز السفر اليمني مع جوازات دول أخرى التصنيف العالمي لترتيب جوازات السفر، ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، على وجه الخصوص الأوضاع الصحية والاقتصادية بسبب الحرب الدائرة في البلاد دفع بالكثير من المواطنين للبحث عن جواز سفر يمكنهم من البحث عن علاج المرضى أو البحث عن مصدر دخل يعيلون به أسرهم.