11 أغسطس 2025

الصمت ليس عجزا.. يمنيات يحوّلن التكنولوجيا أداة للاندماج

من الصمت إلى الحضور.. رحلة اليمنيات الصمُّ والبكمُّ نحو الاندماج عبر التكنولوجيا
9 أغسطس 2025
يمن فريدم-خاص-منيرة أحمد الطيار
صورة تعبيرية موّلدة بالذكاء الاصطناعي


في زوايا الحياة اليومية، بين زحام الأسواق وضوضاء شوارع العاصمة صنعاء، تعيش "أمل" (24 عاما) من مجتمع الصم والبكم حكاية تختزل قصص مئات النساء اليمنيات اللواتي يحملن على أكتافهن صمتا ممزوجا بالإصرار. هذا الصمت الملزم أحيانا بعزلة اجتماعية لا يقلل من قدراتهن، بل يضيف إلى وجودهن أبعادا أخرى من الإبداع والعطاء والتحدي.

نشأت "أمل" في أروقة معاهد وجامعات متخصصة للصم والبكم، حيث تلقت دعما تعليميا مميزا بفضل جهود معلّمات لغة الإشارة اللاتي نجحنَ في تحويل كل محاضرة إلى جسور تواصل وإنسانية.

ورغم سهولة التواصل عبر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، لا تزال فرص العمل والتفاهم في بيئات العمل تمثل تحديا كبيرا نظرا لندرة المعرفة بلغة الإشارة بين عامة الناس، وفي ظل هذا الواقع تستثمر العديد من اليمنيات التقنيات الرقمية كمنصة لكسر حواجز العزلة.

البرقع والعزلة

في الأسواق والطرقات يقف البرقع- دون قصد- حاجزا أمام أحد أهم التواصل البصري (حركة الشفاه) التي تعتمد عليها "أمل" لفهم من حولها، لحظات سريعة تنتهي دون جدوى، تغوص بعدها "أمل" في عزلة أعمق.

تتحدث "أمل" عن سنوات دراستها: "كانت الجامعة بوابتي إلى العالم بفضل أستاذة لغة الإشارة التي رافقتني شعرت أنني عنصر فاعل في وسط تعليمي مفتوح، لكن خارج جدران الجامعة يبقى التواصل تحديا يواجه صعوبات الواقع".

زادت الحرب من عدد المصابين بإعاقة السمع والكلام، إذ تشير تقديرات منظمة "اليونيسف" الذي صدر في ديسمبر 2020، إلى ارتفاع نسبة الإعاقة السمعية بين الأطفال بنسبة 15% منذ اندلاع الحرب، نتيجة ضعف البرامج الصحية والفحوصات المبكرة والعوامل الوراثية والحوادث، أما عن النساء في اليمن، ما زلن أرقامًا مجهولة في إحصائيات غير موجودة.

نافذة الأمل

في ظل ندرة الفرص المهنية ومحدودية وعي المجتمع في فهم لغة الإشارة، وجدت "أمل" ونظراؤها في الهاتف الذكي والذكاء الاصطناعي بابا يقدّم نورا من التفاعل.

تطبيقات مثل Google Live Caption وMicrosoft Translator إلى جانب برامج التحويل من الإشارة إلى الصوت ومن النص إلى لغة يدوية غيّرت شكل الترابط بين هؤلاء النساء والعالم من حولهن.

"ريم" (27عاما) تقطن في محافظة الحديدة، تقول "قبل أن اتعلم الهاتف الذكي واستعمل برامج الذكاء الاصطناعي كان لا بد لي من رفيقة تترجم أفكاري أما اليوم فأنا أتواصل مباشرة مع الموظفين فقط عبر هاتفي الذي يترجم حروفي إلى رسائل واضحة".

ابتكار محلي

لا تتوقف الابتكارات عند التطبيقات العالمية، حيث أبتكر طلاب هندسة في جامعة صنعاء للعام 2024، قفازا ذكيا يترجم حركات اليدين عبر حساسات إلى نصوص أو صوت، يقول المبتكر عبد الله أنيس أحد الطلاب المبتكرين للقفاز الذكي: "أردنا حلا بسيطا وفاعلا يتناسب مع إمكانياتنا هنا التكنولوجيا عالمية لكن استخداماتها يجب أن تكون محلية".

ورغم أن المشروع ما زال في مراحله الأولى، إلا أنه يمثل خطوة رمزية نحو تمكين داخلي يعزز من فكرة أن التكنولوجيا ليست امتيازا، بل وسيلة يمكن إعادة اختراعها بأيادٍ محلية.

المهندس صلاح الرامي، أيضا قدّم اختراع "الحركة الكاملة " لترجمة لغة الإشارة باستخدام الذكاء الاصطناعي رؤية مختلفة لدمج مجتمع الصم والبكم في النسيج الاجتماعي من خلال التكنولوجيا التي تحوّل الحركة إلى كلمة والصمت إلى صوت.

يشرح الرامي "البرنامج ليس مجرد فكرة تقنية، بل نافذة تقوم بتحويل لغة الإشارة إلى نصوص وأصوات واضحة والعكس صحيح عبر أنظمة ذكاء اصطناعي مدربة على اللغة العربية بشكل كامل ولغة الإشارة المحلية".

الصمت يصبح صوتًا

"ليلى" (33 عاما) من مدينة تعز، تتذكر كيف عانت قبل وجود الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي في التواصل مع المجتمع وكيف غيّرت التكنولوجيا حياتها هي والكثيرين، بعد أن كانت معزولة عن العمل، فاليوم أصبحت معلمة للأطفال تستخدم التطبيقات لنقل القصص فتقول بلغة يديها المفعمة بالإرادة بيدا تتحركان وشاشة تترجم أنني أستطيع أن أعلم أن أحب أن أكون جزءا من الواقع وأن الصمت ليس عجزا.

الحاجز المميت

تؤكد الأخصائية النفسية، نورا خالد، أن التحول الرقمي أسهم بشكل كبير في دمج الفتيات من ذوات الإعاقة في المجتمع، وكان عونًا لهن في مجابة النظرة "الدونية" من إعاقتهن وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، إلا أن ذلك لا يعوّض قلة الوعي المجتمعي الذي يشكل حاجزا مميتا لكل من يعاني أي قصور أو إعاقة، إذ ما زالت النظرة السلبية تراوح مكانها، تصنف الإعاقة كعائق بدل أن تراها اختلافا طبيعيا.

عراقيل التكنولوجيا

ضعف البنية التحتية ووصول الإنترنت للمناطق الريفية، ارتفاع أسعار الأجهزة، عدم توافق التطبيقات مع اللهجات ولغة الإشارة اليمنية أحيانا، هي عراقيل لا يمكن تجاوزها بسهولة لإدماج مجتمع الصم والبكم في المجتمع، بحسب المهندس التقني محمد عبد الله، طالب كلية الحاسوب بجامعة صنعاء، قسم تكنولوجيا المعلومات (IT).

مستقبل لا يتميز

بأصواتٍ صامتةٍ وعيونٍ تُبصر ما لا يُرى، تعيد اليمنيات الصمُّ والبكم كتابة مستقبلهن، لا بحثا عن تميّز، بل عن حياةٍ طبيعية. من شاشة هاتفٍ صغير، وتطبيقات ذكاءٍ اصطناعي، وورشات هندسية محلية، ولدت فرصٌ جديدة، لكن الطريق نحو اندماجٍ حقيقي لن يكتمل إلا حين تتحول لغة الإشارة من لغة أقلية معزولة إلى لغةٍ طبيعية مشتركة يتقنها كل المواطنين.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI