لقد أدت سنوات الصراع في اليمن إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد المجتمعات، وتعطيل تقديم الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم. ونتيجة لذلك، أصبح الوصول إلى التعليم، لا سيما للفتيات والنساء، أكثر صعوبة.
لقد ساهمت حالة عدم الاستقرار المستمرة في زيادة معدلات الفقر والنزوح القسري، مما فاقم الأزمة في التعليم. إذ اضطر العديد من الطلاب إلى ترك مقاعد الدراسة، إما للانخراط في سوق العمل لإعالة أسرهم، أو نتيجة التجنيد للانخراط في الصراع المستمر.
أما من بقوا في المدارس، فيواجهون تحديات كبيرة تتمثل في الاكتظاظ داخل الفصول، وسوء تجهيز المرافق، والنقص الحاد في الكوادر التعليمية المؤهلة.
وقد أدت هذه الظروف مجتمعة إلى تدهور جودة التعليم وتراجع فرص التعلم في جميع أنحاء البلاد، بينما تتحمّل النساء والفتيات العبء الأكبر، في ظل ارتفاع معدلات الأمية والتهميش والإقصاء الاجتماعي طويل الأمد.
حياة مُكرّسة للتعليم
طوال أكثر من 40 عامًا، كرّست انتصار، المديرة العامة لمكتب محو الأمية وتعليم الكبار ومركز تعليم النساء في محافظة لحج، حياتها للنهوض بالتعليم، وخاصةً تعليم النساء.
تقول انتصار: "الكثيرون حُرموا من أبسط حقوقهم في التعلم، خصوصًا في المناطق الريفية، حيث البنية التحتية الرديئة، وبعد المسافات، وغياب الأماكن الآمنة، كلها عوامل عمّقت من انتشار الأمية".
شهدت انتصار عن قرب كيف أن ضعف المرافق، وانعدام المياه النظيفة، وسوء الصرف الصحي، والانقطاعات المتكررة للكهرباء، كلها عقبات عطّلت عمل مراكز محو الأمية، التي تعاني أصلًا من نقص في التمويل والكوادر المدربة.
وتضيف: "لقد دفعت الأزمة الاقتصادية والنزوح النساء والفتيات إلى هامش الحياة، وأصبحن مستبعدات من سوق العمل والمجتمع، لغياب التعليم والمهارات".
دعم القدرات المحلية لتوسيع فرص التعليم
في محافظة لحج وثماني محافظات أخرى، تعمل السلطات المحلية على إعادة بناء نظام التعليم بدعم من مشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن (SIERY) الممول من الاتحاد الأوروبي. ويشمل هذا الدعم ترميم المدارس ومراكز محو الأمية، وتطوير مكاتب وزارة التربية والتعليم، وتقديم برامج تدريبية للمعلمين.
لعبت انتصار دورًا محوريًا في هذه الجهود، حيث نظّمت تدريبات لمسؤولي المديريات ومنسقي برامج محو الأمية.
توضح انتصار قائلة: "ساعدتنا هذه التدريبات في فهم احتياجات المجتمعات بشكل أفضل، ووضع حلول عملية مستندة إلى أولويات السكان. كما حسّنت التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني، مما جعل الخدمات التعليمية أكثر فاعلية واستجابة".
أحد أهم الإنجازات كان إعادة افتتاح مركز محو أمية النساء في مديرية الحوطة، كجزء من خطة الصمود المحلية. وبتمويل من المشروع، أُعيد افتتاح المركز، وهو يخدم الآن أكثر من 100 امرأة، مع تزايد مستمر في أعداد المسجلات.
تقول انتصار: "هدفنا ليس فقط تقليل نسبة الأمية، بل تمكين النساء، ودعم مشاركتهن في المجتمع، وتحسين سبل عيشهن، والمساهمة في بناء مستقبل أفضل".
بناء بيئة تعليمية آمنة وفعّالة
في السابق، كان مركز النساء في الحوطة متهالكًا وخطرًا، ولم يكن مؤهلاً لاستقبال الطالبات. وكانت الدروس تُعقد في أماكن مؤقتة وغير مناسبة، ما حال دون التحاق العديد من النساء بسبب مخاوف أمنية أو عوامل اجتماعية.
وتضيف انتصار: "بعد أن أُعيد تأهيل المركز بدعم من المشروع، شهدنا إقبالًا لافتًا من النساء والفتيات اللواتي انقطعن عن التعليم. أصبح المركز مصدرًا للتعليم، والتوعية الصحية، والمعرفة التي تعود بالنفع على الأسر بأكملها".
المركز اليوم لا يقتصر على تعليم القراءة والكتابة، بل يقدم أيضًا ورش عمل، وجلسات توعية، وتدريبًا للإداريين، ويضع خططًا تعليمية، ويشرف على تنفيذ البرامج. ويحرص على التعاون الوثيق مع المجتمع المدني والسلطات لضمان توافق برامجه مع احتياجات الناس.
وتختم انتصار قولها: "نعمل حاليًا على توسيع نطاق الوصول إلى مزيد من المديريات، لنضمن لكل امرأة وفتاة فرصة عادلة في التعليم".
التعليم.. مفتاح المستقبل
ترى انتصار أن معالجة أزمة التعليم في اليمن تتطلب إصلاحات جذرية، من بينها تدريب المعلمين، وتخصيص ميزانيات واضحة، وربط التعليم بسوق العمل.
وتوضح قائلةً: "إعادة تأهيل المدارس، وتوفير أدوات تعليمية ملائمة، وسد فجوات التوظيف، وتحسين رواتب المعلمين، كلها خطوات لا غنى عنها".
وتؤكد: "عندما ندمج تعليم القراءة والكتابة مع المهارات المهنية، فإننا نفتح أبواب المشاركة للنساء في الحياة العامة وسوق العمل".
محو الأمية.. ركيزة التعافي من وجهة نظر انتصار
تقول انتصار: "الأمية لا تزال تهديدًا حقيقيًا، خصوصًا للنساء والشباب والأطفال. فهي تؤدي إلى تسرب من المدارس، وتراجع في التفاعل الاجتماعي، وتزيد من ظواهر الجريمة، وتعاطي المخدرات، والاستغلال، والبطالة".
وتضيف: "التعليم هو أساس التنمية، فهو يمنح الفرد القدرة على التفكير النقدي واتخاذ قرارات مستنيرة. كما يعزز الحوار، والتفاهم، والمواطنة الفعالة، مما يؤدي إلى مشاركة أوسع في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين مستويات المعيشة، وتقليل الفقر، وبناء أجيال متعلمة وسلمية".
حلم انتصار لمستقبل لحج
"أحلم أن يأتي اليوم الذي نعلن فيه أن محافظة لحج خالية تمامًا من الأمية، سواء كانت أساسية أو مهنية. أن تكون آمنة، مستقرة، وسالمة، وتوفر فرص تعليم متساوية للنساء والشباب والفتيات. أرجو أن يصبح كل فرد في لحج متعلمًا، قادرًا على بناء مستقبل أفضل لنفسه ولمجتمعه".
رسالة انتصار للنساء في اليمن وخارجها
"أود أن أوجه رسالة لكل امرأة لم تُتح لها فرصة التعليم: الفرصة ما زالت قائمة. مراكز التعليم ومحو الأمية ترحب بكِ. بالعزيمة والإصرار، يمكنك التغلب على التحديات واكتساب المعرفة التي تستحقينها. التعليم سيمنحك الفرص، لكِ ولأطفالكِ ولأسرتكِ. فطلب العلم لا نهاية له".
انتصار واحدة من عشرات الموظفين الحكوميين المخلصين الذين يعملون في 45 مديرية ضمن تسع محافظات يمنية، ضمن جهود مشروع تعزيز المونة الم}سسية والإقتصادية في اليمن (SIERY) لإعادة بناء التعليم.
لقد ساهم المشروع في تمكين الكوادر التعليمية، بما في ذلك موظفي وزارة التربية والتعليم، من خلال تطوير قدراتهم على التخطيط، وتحديد التحديات، ومتابعة التقدم.
كما يركز المشروع على تعزيز قدرات السلطات المحلية لإدارة الموارد التعليمية. ونتيجة لذلك، تم تأهيل أو إعادة بناء أو ترميم 131 مؤسسة تعليمية، منها 103 تم تزويدها بألواح الطاقة الشمسية.