8 ديسمبر 2025
8 سبتمبر 2025
يمن فريدم-العربي الجديد-بيروت حمود
الحوثيون في صنعاء، 18 مايو 2015 (محمد هويس/فرانس برس)


في مارس/ آذار الماضي شنت الولايات المتحدة ضربات على اليمن، وتحديداً على معاقل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بعد أن هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إيران، بأنه سيعتبر كل هجوم يشنه الحوثيون كما لو أنه انطلق من بلادهم، مشدداً على أن طهران "ستتحمل التبعات القاسية لذلك". لم يمضِ شهران على ما تقدم، حتّى تفاخر من يعرض نفسه بوصفه"رجل السلام"، بإنجازه الأوّل في الشرق الأوسط، معلناً وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين.

بإعلان ترامب، انضمت واشنطن فعلياً إلى الدول التي توصلت إلى اتفاقات شبيهة مع الحوثيين. ففي العام 2019 سحبت الإمارات قواتها من اليمن، وتوقفت عن المشاركة في التحالف العربي ضدهم. بعدها بثلاثة أعوام، توصلت السعودية، التي كانت تقود التحالف ضد الحوثيين، إلى اتفاق لوقف إطلاق نار لا يزال صامداً حتى اليوم. ولئن اختلفت الظروف التي أحاطت بتلك الاتفاقات، فقد بقيت إسرائيل فعلياً الطرف الوحيد، هذه الأيام، الذي يشن مباشرةً عدواناً متواصلاً على اليمن، بوصفه جزءاً من المواجهة التي فتحتها جماعة الحوثيين في إطار "إسناد" الفلسطينيين بغزة.

لم يمنع وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين، مواصلة الجماعة مهاجمة أهداف إسرائيلية. وفيما كف "تحالف حارس الازدهار" (تحالف عسكري بحري متعدد الجنسيات، تأسس يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 بهدف التصدي للهجمات الحوثية) عدوانه، باتت إيران خارج قائمة الأهداف الأميركية في ما يتعلق بربطها بالهجمات اليمنية. وفي ظل "غياب الدعم الأميركي"، يبدو أن إسرائيل، بحسب ما أوردته صحيفة "هآرتس"، اليوم الاثنين، "تُركت وحدها في الساحة لتدير حربها ضد المسيّرات والصواريخ اليمنية، دون أن تربط ذلك، على الأقل علناً، بالتهديد الإيراني".

أمّا بالنسبة إلى استراتيجية العدوان الإسرائيلي على الحوثيين فتشابهت إلى حد كبير بتلك التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، والمستندة إلى "الردع، وإحباط القدرات وتقويضها". ولئن امتنع بايدن عن مهاجمة أهدافٍ مدنية في مناطق نفوذ الحوثيين وسيطرتهم، محجماً عن استهداف قادتهم، وفيما تخطته إسرائيل بإعلاء السقف عبر استهداف من سبقوا، فإن ذلك "لم يحقق الهدف المنشود"، بحسب الصحيفة.

دليل ما سبق، أساسه أن تدمير الموانئ اليمينة، والبنى التحتية المدنية، وصولاً إلى اغتيال عدد كبير من أعضاء الحكومة التابعة للحوثيين، لم يردع الجماعة ولم يقوض قدراتها العسكرية. والسبب بحسب "هآرتس" هو أن صاروخاً واحداً أو طائرة مسيّرة واحدة تخترق المجال الجوي الإسرائيلي كافية لإثبات قدرة الحوثيين "فهذه ليست حرباً بين جيشين يسعيان لحسم المعركة في نطاق جغرافي محدد"، بحسب ما جاء في الصحيفة. وقد تبدى ذلك أمس، لدى ضرب الحوثيين مطار "رامون" في إيلات، بواسطة طائرة مسيّرة ما أسفر عن أضرار مادية في صالة المسافرين الذين أصيب عدد منهم.

المعضلة بالنسبة لإسرائيل كما تفسرها الصحيفة هي أن الحوثيين ليسوا "ذراعاً ولا وكيلاً لدولة ثالثة"؛ وبالتالي ليس بالإمكان ممارسة ضغوط عليهم كتلك التي تفرضها الولايات المتحدة في لبنان ضد حزب الله، أو في العراق ضد "المليشيات الموالية لإيران". ومع ذلك فإن المنظور الذي من خلاله حددت تل أبيب وواشنطن شكل المواجهة مع الحوثيين، انطلق من أن الأخيرين هم جزء من "حلقة النار".

وفي الصدد، تزعم "هآرتس" أنه على الرغم من أن الحوثيون يقدمون معركتهم الحالية ضد إسرائيل باعتبارها "حرباً من أجل إخوتهم في غزة"، مشترطين كف هجماتهم بوقف حرب الإبادة، إلا أنهم في الواقع "كيان سياسي مستقل يجني فوائد خاصة من استمرار مشاركته في دعم غزة".

وتضيف أن جماعة الحوثيين تعتمد على تمويل خارجي أقل بكثير من حزب الله، فهم يموّلون خزائنهم من عائدات الضرائب والرسوم التي يفرضونها على أصحاب الأعمال والمواطنين الذين يعيشون في مناطق سيطرتهم، والذين يُشكلون فعلياً نحو 60% من إجمالي سكان اليمن، وفق الصحيفة العبرية.

وأشارت إلى أن الحوثيين ما زالوا ينجحون في استيراد النفط بطرق ملتوية؛ وفرض رسوم عبور عالية على السفن الأجنبية غير المرتبطة بإسرائيل، علاوة على تصنيعهم الأسلحة واستفادتهم من دعم عسكري من روسيا والصين. كما أن مواجهتهم مع إسرائيل، بادعاء الصحيفة، "تشكل ذريعة" لتجنيد الآلاف بصفوفهم، مشيرة إلى أنه بالتوازي مع هجماتهم ضد إسرائيل، يواصل الحوثيون خوض حروب داخلية بهدف السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

ولفتت "هآرتس" إلى أنه رغم أن الحوثيين لا يعلنون صراحة أنهم يطمحون في نهاية المطاف إلى السيطرة على اليمن بأكمله، أو على الأقل فرض اتفاق يمنحهم حصة الأسد من ميزانية الدولة والمناصب الحكومية، فإنهم كما تزعم "يرون في الحرب ضد إسرائيل وفي تهديدهم المُثبت لمسار الشحن في البحر الأحمر وسيلة لتحقيق هدفهم السياسي داخل اليمن". وبالتالي، يمكنهم الاعتماد ليس على نجاحهم في البقاء بعد سبع سنوات من الحرب الدامية فحسب، بل أيضاً على إدراكهم بأن ضرب أهداف حساسة – مثل الهجوم النوعي على منشآت شركة أرامكو السعودية عام 2019 وموانئ أبوظبي- قد جلب لهم مكاسب سياسية ومالية.

المثال على ما تقدم، هو أنه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع السعودية، تتولى الأخيرة تمويل رواتب موظفي الدولة المسجّلين ضمن كوادر الحكومة اليمنية المعترف بها، رغم أنهم يعملون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وبذلك، فهي تسهم بشكل مباشر في دعم ميزانية الحوثيين وتُخفف من السخط الشعبي ضدهم.

وهكذا فإن التدخل السعودي في اليمن- قبل اندلاع الحرب على غزة- وصولاً إلى إطلاق ترامب عملية "الأسد الخشن" على الحوثيين، لم يفضيا إلى نتيجة، وعليه قررت إسرائيل الاعتماد على سلّة أدواتها المعهودة: تدمير البنى التحتية الحيوية، وصولاً إلى الاغتيالات... لكن حتّى هذه الأخيرة "لم تردع الحوثيين".

التفكير خارج الصندوق

على أساس ما سبق، يدور نقاشٌ في إسرائيل حول البحث عن طريقة تضع حداً للحوثيين، "فصحيح أن الضربات الإسرائيلية الموجهة ضدهم مهمة، غير أنها ليست حاسمة"، وفقاً للمسؤول السابق في جهاز "الموساد"، حاييم تومر. والسبب طبقاً للأخير هو أن الضربات استهدفت بالعموم بنى تحتية مدنية، في حين أنه "من الصعب على إسرائيل، وكذلك على الولايات المتحدة، الوصول إلى الأهداف العسكرية لأن الأخيرة محصنة وقد بنيت داخل المغاور والجبال".

وفي السياق، أكّدت مصادر في أجهزة الأمن الإسرائيلية ضمن تقرير سابق أوردته "هآرتس"، بذل تل أبيب جهوداً لجمع معلومات استخبارية بهدف تحسين قدرات الجيش للإضرار بأهداف عسكرية. غير أن مسعى كهذا بحسبها "يتطلب مساراً طويلاً ويستغرق وقتاً". لتحقيق ما سبق، يشدد تومر، على أن الجهود الاستخبارية "تتطلب عملاً ميدانياً عبر بناء منظومة شبكيّة من الجواسيس والعملاء لتوفير المعلومات"، وهو ما سيمكن سلاح الجو والقوات الخاصة الأخرى، سواء في البحر أو البر، من الوصول إلى الأهداف العسكريّة المهمة وضربها.

النموذج السابق، استخدمته إسرائيل في إيران، وقد أثبت نجاعته بالنتائج التي تكشفت ولا تزال، على شكل سلسلة من العمليات التخريبية، والعمليات السيبرانية ضد مواقع مثل منشآت أجهزة الطرد المركزي، ومستودعات الطائرات المسيّرة والصواريخ. ولكن هذه العمليات، التي تسببت في عرقلة وتأخير تقدم برامج إيران النووية والصاروخية، خُطط لها على مدار سنوات قبل تنفيذها ولم تكن محض فعلٍ فجُائي. أمّا الأداة الأخرى التي أثبتت فعاليتها في إيران، بحسب الصحيفة، فكانت الاغتيالات التي استهدفت فيها إسرائيل علماء نوويين وقادة عسكريين. وقد أخرجت إسرائيل بالفعل هذه الأداة من صندوقها أخيراً باستهدافها أعضاء الحكومة الحوثية، ولكن استهداف قادة المستوى العسكري "سيستغرق وقتاً، لتطلبه بناء البنية التحتية الاستخبارية التي تتيح فعل ذلك".

عدا عن الوقت والمواد البشرية والماديّة المطلوبة لإنشاء البنى الشبكية من العملاء في ساحة بعيدة كاليمن، والحاجة إلى أشخاص يتحدثون اللهجة اليمنية بطلاقة، ليتمكنوا من الانغماس في صفوق اليمنيين والتكيّف مع بيئتهم لتمويه أنفسهم قبل تنفيذ المهام الأمنية المطلوبة منهم، تحاول إسرائيل مؤخراً التفكير في "طرق إبداعية" أخرى تستند بالأساس على فكرة تأليب اليمنيين في مناطق نفوذ الحوثيين ضد الأخيرين. لكن ذلك يتجاوز النماذج المعهودة التي استخدمها الغرب عموماً سواء بالأدوات الناعمة أو الخشنة لاستغلال تطلعات بيئات معيّنة نشدت الحرية من الأنظمة المستبدة التي حكمت بلادها.

تعكير مزاج اليمنيين (!) وبالنتيجة انتفاضة ضد الحوثيين

بين الطرق "الإبداعية" لتأليب البيئة اليمنية ضد الحوثيين يستحضر مجمع الاستخبارات الإسرائيلي حقيقة أن اليمن هي واحدة من أفقر دول العالم، وأمن سكانها الغذائي ضعيف، لكن ذلك لم يدفع اليمنيين إلى الانتفاض، ورغم الجوع والفقر فإن جزءاً كبيراً من اليمنيين ظل متمسكاً بأمر واحد، ووجد صعوبة في التخلي عن عادة استهلاك القات.

وفي الصدد، يستحضر محلل الشؤون الاستخبارية والأمنية في "هآرتس"، يوسي ميلمان، لقاءً سابقاً جمع عناصر استخبارات غربية بموفدين يمنيين، في إطار الجهود التي سعت لتحجيم النفوذ الإيراني في البلاد. في اللقاء المذكور لاحظ عناصر الاستخبارات، بحسب ميلمان، أمراً مثيراً للاهتمام؛ وهي أنه بعد ساعة أو ساعتين من الاجتماع، طلبوا استراحة؛ إذ انسحبوا إلى غرفة أخرى من أجل مضغ القات، كما تورد الصحيفة.

طبقاً لميلمان، فإن واحدة من الأفكار التي طرحها المشاركون في تلك اللقاءات كانت استهداف زراعة القات. خطوة كهذه بحسبه قد تغيّر قواعد اللعبة بوصفها "كاسرة للتوازن"، رغم أنها "مهمة صعبة وفرص نجاحها ليست مضمونة"؛ إذ حاولت الولايات المتحدة سابقاً تدمير محاصيل نبات الكوكا جوياً في كولومبيا، والذي كان يُستخدم لإنتاج الكوكايين، لكنها لم تفلح. والسبب أن مزارعي الكوكا عملوا بتكليف من عصابات المخدرات في كولومبيا، والإغراء المالي الذي قدمه زعماء العصابات للفلاحين كان أكبر بكثير من أي تعويض محتمل من واشنطن.

مع ذلك، يبدو الوضع في اليمن مغايراً. والسبب بحسب المحلل الاستخباري عائدٌ إلى أن القات يستخدم بشكل رئيس للاستهلاك الشخصي، وبالتالي "إذا شعر السكان المحليون بنقصه، سينتفضون ضد قيادة الحوثيين. وفي هذه الحالة، سيضطر الحوثيون للتوصل إلى تفاهم مع إسرائيل: وقف تدمير محصول القات مقابل وقف إطلاق النار"، وفق ما يزعم.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI