أثار قرار برنامج الغذاء العالمي في اليمن استبعاد مديرية القاهرة بمحافظة تعز من عملية المسح الميداني في المرحلة المقبلة موجة استياء واسعة بين المواطنين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره ناشطون تجاوزًا صريحًا للمعايير الإنسانية وتعسفًا بحق المواطنين، في ظل الأوضاع التي تعيشها المحافظة.
تحتضن مديرية القاهرة آلاف الأسر النازحة التي تعيش أوضاعًا اقتصادية صعبة إذ يعتمد السكان بشكل كبير على المساعدات الغذائية لتلبية الاحتياجات اليومية من الغذاء، في وقت تشهد فيه المديرية عودة مئات من الأسر التي نزحت في وقت سابق نتيجة الحرب والمواجهات المسلحة التي شهدتها المدينة.
في الوقت الذي استبعد برنامج الغذاء العالمي مديرية القاهرة من المسح الميداني، وضع شروطًا ومعايير وصفها الكثيرون بأنها "مجحفة وتعجيزية" ستؤدي إلى استبعاد آلاف الأسر المسجلة في قوائم المساعدات، وحرمانها من الدعم الغذائي، الأمر الذي يضاعف معدلات الجوع ويساهم في تدهور الوضع المعيشي للأسر وتفاقم معاناتهم.
تضمنت المعايير التي وضعها البرنامج الأممي بنودًا غير منطقية مثل استبعاد الأسر التي تمتلك جاهزًا الكترونيًا كشاشة تلفاز أو ثلاجة أو دراجة نارية، أو منزلًا أو رتبًا من جهة حكومة أو خاصة، معايير لا تصف الواقع الفعلي لاحتياج الأسر أو تحدد الجانب المالي وقدرتها الشرائية، وتطبيق هذه المعايير يمكن أن يؤدي إلى استبعاد فئات من الأشد احتياجًا للمساعدات الغذائية.
قلق وحيرة
تواجه الأسر في مديرية القاهرة تحديات مختلفة، فمعظم أحياء المديرية تقع بالقرب من خطوط النار وتفتقر للخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، إضافة إلى أن عدد كبير من النازحين والعائدين يسكنون في بيوت متهالكة ومتضررة بسبب الحرب، ويعتمدون على المساعدات الغذائية لتغطية الاحتياجات الأساسية بشكل كبير.
المواطن محمد الشرعبي يسكن في حي التوحيد القريب من خطوط النار التابع لمديرية القاهرة، نزح محمد من قريته الواقعة في نطاق سيطرة الحوثيين ليستقر به الحال في شقة بلا نوافذ وآثار الحرب مازالت شاهدة في أرجاء المكان، يعيل أسرة مكونة من طفلين وزوجته، ويعمل كسائق دراجة نارية لإعالة أسرته.
يتحدث الشرعبي لـ"يمن فريدم" عن قرار برنامج الغذاء العالمي فيقول: " كانت الإغاثة التي نستلمها تساعدنا كثير وتخفف علينا المصاريف والاحتياجات الأساسية الطحين والزيت والفاصوليا، وأشقي فوق الدراجة النارية من أجل توفير الحاجات الأخرى البسيطة مثل الخضروات والغاز وغيره".
يشير الشرعبي إلى أنه يعيش في قلق كبير بعد سماعه للمعايير الجديدة والتي تقتضي باستبعاد من يمتلك دراجة نارية من قائمة المساعدات، ويؤكد على عدم قدرته في توفير المتطلبات الأساسية للحياة في حال تم استبعاده من المساعدات الغذائية.
طابع إداري لا إنساني
يؤدي الاعتماد على المعايير الإدارية وحدها في حرمان الأسر الأكثر احتياجًا وهشاشة في المجتمع، بينما تشير الأرقام إلى وجود آلاف الأسر النازحة أو العائدة منه، تواجه صعوبات يومية في تأمين أبسط مقومات المعيشة والاحتياجات.
يقول المستشار القانوني إيهاب الدهبلي إن الشروط الجديدة التي يعمل بها المنفذ الشريك لتوزيع الإغاثة تميل إلى الطابع الإداري أكثر من الطابع الإنساني، فهي تركز على الممتلكات الظاهرة مثل السيارة أو الأجهزة المنزلية، ولا تأخذ بالاعتبار مستوى الضعف والاحتياج الفعلي للأسر المستهدفة.
يضيف الدهبلي في حديثه لموقع "يمن فريدم""المعايير الإنسانية الدولية تقوم على مبدأ الاحتياج لا الملكية ما يعني أن امتلاك أصل بسيط لا يجب أن يكون سببًا لحرمان الأسر من حقها في المساعدات إذا كانت غير قادة على تلبية احتياجاتها الأساسية".
احصائيات رسمية
يشير هيكل عصيوران، ممثل الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، إلى وجود 17 موقعًا للنازحين، يضم 2300 أسرة ، ناهيك عن الأسر التي تسكن في المنازل والشقق القريبة من خطوط النار في حارات الروضة وعصيفرة وكلابة وغيرها، إضافة إلى أن عدد الأسر التي عادت من النزوح يتجاوز 18 الف أسرة عادة إلى مديرية القاهرة، ويتساءل عصيوران على أي معلومات استند برنامج الغذاء العالمي في قراره باستبعاد مديرية القاهرة؟
في السياق ذاته يقول عبدالملك أمين، أمين عام المجلس المحلي لمديرية القاهرة، إن نسبة احتياج المديرية من المساعدات يصل إلى 28 ألف سلة غذائية نتيجة لعودة آلاف السر إلى المديرية، منوهًا إلى أن هناك جملة من الإجراءات قامت بها السلطة المحلية في سبيل إعادة النظر إلى قرار البرنامج الأممي.
وأضاف عبدالملك، في حديث لـ"يمن فريدم" :" تم عمل تحليل تقييمي للوضع الإنساني في المديرية، وارسالها للمحافظ ولجنة الإغاثة وابلاغهم بأن برنامج الغذاء العالمي لم يستهدف المديرية بالمسوحات الجديدة، بالإضافة إلى مذكرة لمكتب التخطيط مرفق فيها تحليل الوضع، بدوره حرر مذكرة للأخ المحافظ، وبرنامج الغذاء العالمي ووزارة التخطيط والتعاون الدولي والجهات ذات العلاقة".
يعكس استبعاد مديرية القاهرة قصورًا في العدالة الإنسانية ويؤكد الحاجة إلى مراجعة منهجية التقييم الدولي و إعادة النظر في القرار ضرورة أخلاقية وإنسانية، لضمان وصول المساعدات إلى من هم فعلاً بحاجة إليها، فالقرارات التي تتجاهل الاحتياجات الواقعية تهدد استقرار المجتمع وتضعف الثقة بالمنظمات الدولية، وتحوّل المساعدات من حق أساسي إلى امتياز محدود غير عادل، يحتاج إلى تصحيح عاجل.