في وقت يعلو حديث الانفصال وتأسيس "دولة الجنوب العربي" لدى المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن بعد سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة قبل أيام، وانقلابه على تفاهم رعته السعودية للتهدئة، وهو ما استتبعته الرياض بسحب قواتها وإعادة تموضعها العسكري في المناطق الخاضعة للشرعية اليمنية بما في ذلك في العاصمة المؤقتة عدن أو تلك التي تمدد إليها "الانتقالي"، تبدو الأوضاع في الجنوب اليمني مفتوحة على سيناريوهات متعددة، بانتظار الرد السعودي على هذه التطورات ولا سيما مع عدم تقديم "الانتقالي" أي مؤشرات على التراجع، فيما تسود ضبابية بشأن الخيارات السعودية في الفترة المقبلة وما إذا كانت ستكتفي بضغوط سياسية تعيد من خلالها ضبط المشهد أم يتطور موقفها من الأزمة.
تصعيد جنوبي اليمن
وفيما ترفض غالبية قيادات "الانتقالي" في اليمن التصريح علناً بشأن قراءة الموقف السعودي وتداعياته المحتملة على خطط المجلس بعد تصعيده في المحافظات التي توليها الرياض أهمية عسكرية وردّة فعلها السريعة بتغييرات لا تزال غير واضحة في أهدافها، تُظهر جولة نقاشات داخل قيادتي الصفين الأول والثاني في المجلس عن تصارع بين مقاربتين، الأولى ذات طابع متشدد، تدفع نحو الخيارات القصوى مثل إعلان دولة جنوبية أو تشكيل حكومة جديدة، وتصرّ على مواصلة التصعيد رغم المخاوف من مواجهة محتملة، معتبرة أن كلفة التراجع أعلى من كلفة المضي في هذه الخطوات.
أما المقاربة الثانية، فتميل إلى التخفيف من وطأة الخطوة الأخيرة، خشية تداعياتها السياسية والعسكرية، ومحاولة تجنّب أي صدام مباشر مع الرياض.
وتدرك أوساط المجلس أن الخطوات السعودية سيكون لها تأثير، إذ سحبت حتى معدات تستخدم لتقديم الخدمات المدنية مثل المستشفيات وغيرها، وسط خشية من توقف العديد من المشاريع الخدمية التي كانت تمولها وتدعمها السعودية.
مع ذلك، يبدو أن المزاج العام داخل "الانتقالي" يميل إلى عدم التراجع عن مساره الأخير، بل يسعى إلى تكريسه ميدانياً، عبر استمرار عمليات الانتشار اليومي في محافظات الشرق، ولا سيما المهرة وحضرموت، وعلى حدود شبوة مع مأرب.
وبرز قول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة، عيدروس الزبيدي، خلال لقاء الثلاثاء مع قيادات "الانتقالي"، إن المرحلة المقبلة "ستكون مرحلة عمل مكثف لبناء مؤسسات دولة الجنوب العربي القادمة"، مثمناً ما أسماه "الدعم الكبير الذي قدمه الأشقاء في التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وما اضطلعوا به من جهود سياسية وعسكرية وإنسانية أسهمت في تثبيت الأمن والاستقرار، وتأكيدهم الدائم احترام إرادة شعوب المنطقة وخياراتها المستقبلية".
بالتوازي، واصل أنصار المجلس الانتقالي، لليوم الثاني على التوالي، أمس الثلاثاء، اعتصامهم المفتوح في عدن للمطالبة بما يسمونه "الاستقلال"، فيما تسود أجواء متوترة في عدن، مع تشديدات وانتشار عسكري على المداخل وفي محيط المدينة.
وقال عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي علي هيثم غريب، في كلمة له أمام المتجمهرين في ساحة العروض في مديرية خور مكسر في عدن: "قريباً سنطوي صفحة الاحتلال اليمني في الجنوب العربي"، معاهداً "أسر الشهداء أن الدول القادمة هي دولة صنعها أبناؤهم وآباؤهم وسنحافظ عليها بأعيننا"، متابعاً: "سنستمر حتى تسمعوا صوت استعادة الدولة والإعلان عنها".
من جهته، قال الصحافي صالح الشعيبي لـ"العربي الجديد" من مكان الاعتصام إن "هناك حاضنة شعبية لدى المجلس الانتقالي الحامل للقضية الجنوبية التي هي اليوم بأوج قوتها خاصة بعد السيطرة على المحافظات الجنوبية كافة"، مضيفاً: "الرسائل التي نوجهها الى دول العام والإقليم هي الوقوف مع شعب الجنوب وحريته بتقرير المصير باستقلال دولته واستعادة الدولة الجنوبية التي باتت قاب قوسين".
وفي السياق، قال المركز الإعلامي للمنطقة العسكرية الثانية بالمكلا، إنه تم رفع أعلام الجنوب على مباني قيادة ووحدات المنطقة العسكرية الثانية، بتوجيه من قائد المنطقة العسكرية الثانية قائد لواء حضرموت اللواء الركن طالب سعيد بارجاش. ووصف المركز هذه الخطوة بالتاريخية، قائلا إنها تأتي "إيذاناً ببدء التمهيد لإعلان دولة الجنوب العربي".
ويعيش المواطنون في عدن على وقع الشائعات والتخمينات والمخاوف وسط غياب أي مواقف رسمية. وفي السياق، نفى مصدر حكومي مسؤول، أول من أمس، الأنباء المتداولة بشأن وجود توجيهات من رئيس الوزراء اليمني سالم صالح بن بريك بإيقاف صرف المرتبات في المناطق الجنوبية. وأكد أن الحكومة ملتزمة بواجباتها تجاه المواطنين في مختلف المحافظات.
سؤال حول مستقبل مجلس القيادة الرئاسي
في المقابل، قال رشاد العليمي، خلال لقائه الاثنين سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، إن "الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني والعسكري، وتقويضاً لسلطة الحكومة الشرعية، وتهديداً خطيراً للاستقرار، ومستقبل العملية السياسية برمتها".
وأشاد "بالدور المسؤول الذي اضطلعت به السعودية في رعاية جهود التهدئة بمحافظة حضرموت، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق يضمن عمل المنشآت النفطية، ومنع انزلاق المحافظة إلى مواجهات مفتوحة"، معربا عن أسفه "لتعرّض هذه الجهود لتهديد مستمر نتيجة تحركات عسكرية أحادية الجانب، أبقت مناخ التوتر وعدم الثقة قائماً على نطاق أوسع".
وحذر "من التداعيات الاقتصادية والمعيشية الخطيرة لأي اضطراب خصوصا في محافظتي حضرموت والمهرة".
وفي ظل هذه الأجواء، يبرز سؤال حول مستقبل الشراكة داخل مجلس القيادة في اليمن بعد هذا التصعيد من المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي المدعوم من ثلاثة أعضاء آخرين في مجلس القايدة الرئاسي، هم عبد الرحمن المحرمي وفرج البحسني وطارق صالح، الذين يحسبون على الإمارات، مع العلم أنّ مسؤولاً إماراتياً اكتفى بالقول لـ"رويترز" أول من أمس، إن موقف الإمارات من الأزمة اليمنية يتماشى مع موقف السعودية بدعم عملية سياسية قائمة على مبادرة تدعمها دول الخليج.
وأضاف: "نؤكد أن إدارة اليمن وسلامة أراضيه يجب أن يقررهما الشعب اليمني". ومنذ ما قبل الأزمة الأخيرة، كان الحديث يدور عن إمكانية إجراء تغييرات في مجلس القيادة الرئاسي الذي يتزعمه رشاد العليمي، لكن البعض يذهب في الأيام الماضية إلى حد اعتبار أن الحاجة انتفت إلى مجلس القيادة، بعدما أطاح المجلس الانتقالي الجنوبي الشراكة داخله بعد سلسلة من الأزمات كانت في معظمها تنتهي باسترضاء "الانتقالي"، وصولاً إلى اللحظة التي فقدت فيها الشرعية السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي التي يُفترض أن تكون تحت سيطرة السلطة اليمنية المعترف بها دولياً.
وفي السياق، قالت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد" إن هناك حراكاً سياسياً ودبلوماسياً بدفع من أطراف محلية وإقليمية لإيجاد مخرج للوضع القائم القابل للتصاعد، مع حديث عن مبادرات يُعمل عليها لكن من دون أن تتضح ملامحها النهائية بعد، خصوصاً في ظل تمسك الأطراف المختلفة بمواقفها وخطواتها التصعيدية.
وبحسب المصادر، يسعى الحراك الجاري إلى وقف التصعيد، ثم البدء بمناقشة المبادرات والحلول المقترحة بما فيها محاولة تقديم مبادرة خليجية جديدة، فيما يردد بعض أنصار "الانتقالي" أنها مبادرة تقف خلفها الإمارات.
(العربي الجديد)