8 يونيو 2025
8 يونيو 2025
يمن فريدم-ذا اندبندنت-كريس ستوكل والكر


على مدى أكثر من عقدين، شكلت عبارة "إبحث عنها في غوغل" تعبيراً مختصراً عن كل عمليات البحث عبر الإنترنت، مما أتاح لـ"غوغل" الذي تأسس كشركة تكنولوجية عام 1998، مراكمة إمبراطورية قيمتها تريليونا دولار، استندت إلى الروابط الإلكترونية الملونة بالأزرق.

وفي المقابل، حدث حراك زلزالي الطابع في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022 مع ظهور "تشات جي بي تي" الذي تسبب بموجات ارتدادية ما فتئت هزتها تتوالى حتى الآن. واستطاعت أدوات صنعتها شركة "أوبن أي آي" بالاستناد إلى تلك التقنية ومحرك بحث "بربليكستي" Perplexity، أن تقدم إجابات جاهزة بدلاً من روابط مواقع، مما يدفع المستخدمين وكبرى شركات التكنولوجيا إلى إعادة النظر في محركات البحث المفضلة لديهم.

وفي الواقع، اجتذب "بربليكستي" اهتماماً فائقاً من بعض أكبر عمالقة التكنولوجيا، وإذا أنجزت الصفقات معه، فقد تظهر قريباً على الشاشة الرئيسة لهواتفكم الذكية على نطاق قد يدفعه إلى أن يصبح "غوغل التالي" – وربما يصل الأمر إلى سقوط "غوغل" نفسه.

وفي الكواليس، يخوض "غوغل" سباق إدماج منتجه الخاص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، ضمن عمليات البحث. وهو سباق فُرض عليه منذ أن تسبب إطلاق "تشات جي بي تي" في حال هلع دفعته إلى إصدار منتجاته الخاصة من الذكاء الاصطناعي – لأن الشركة تدرك أن صفقات التوزيع التي يعقدها منافسوها قد تغير سلوك المستخدمين بين ليلة وضحاها.

وبالفعل، توحي الأرقام الأولية بحدوث تبدل في المسار. واقترح تحليل أجراه "بنك أوف أميركا" أن عدد الزيارات العالمية إلى موقع "غوغل"، يتدنى باستمرار من عام إلى آخر. وارتفعت الزيارات إلى موقع "تشات جي بي تي" بمقدار 160% خلال الأشهر الـ12 الماضية. وكذلك توصل بحث منفصل نهض به بنك "مورغان ستانلي" إلى أن "تشات جي بي تي" يبقى الخيار الأول لدى أفراد "الجيل زد" وأن كثراً منهم لا يفكرون إلا لِماماً باستخدام عمليات البحث على "غوغل".

وعلى رغم أن "غوغل" يفقد تدريجاً جزءاً من مكانته أمام محركات بحث أخرى، فإن خسارته أمام منافسين أكثر مرونة يدمجون الذكاء الاصطناعي في أنظمتهم تحدث بوتيرة أسرع بكثير.

ويشكل "تشات جي بي تي" التقنية الأكثر استعمالاً في سوق الذكاء الاصطناعي، إلا أن "بربليكستي" يجسد المنافس الفعلي على تاج عمليات البحث الذكية الإنترنت، بل إنه يقدم نفسه على أنه التجسيد الأقصى لمعطى "محرك الإجابة". وتقدم إجاباته مشفوعة بقوة الذكاء الاصطناعي، وتدمج بين أفضل ما تقدمه روبوتات الدردشة للذكاء الاصطناعي التوليدي، مع الدقة المتوقعة من منصات البحث على الإنترنت. وتشير بيانات "بنك أوف أمريكا" إلى أن حركة المرور (كمية البيانات التي تنتقل عبر شبكة الإنترنت أو حركة تدفق الداتا) على موقع "بربليكستي" تزيد بمقدار 233 في المئة بين عام وآخر، على رغم صغر قاعدة مستخدميها. وثمة توقعات بأن ذلك التزايد آخذ في التسارع الآن.

وتأسس "بربليكستي" في أغسطس/ آب من عام 2022 على يد أرافيند سرينيفاس، المهندس السابق في شركتي "أوبن أي آي" و"ديب مايند" DeepMind، إلى جانب ثلاثة شركاء آخرين. سرينيفاس قام بدور أساس في إطلاق المنصة في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته. وبعد شهرين فقط، كانت اجتذبت مليوني مستخدم. وبحلول يناير/ كانون الثاني 2024، بلغ عدد مستخدميها النشطين شهرياً 10 ملايين، مع معالجة نحو 170 مليون استفسار شهرياً. وتشير تقارير إعلامية إلى أن الشركة تسعى حالياً إلى جولة تمويل جديدة قد ترفع قيمتها إلى نحو 14 مليار دولار.

وعلى رغم الهوة الرقمية الهائلة التي تفصله عن "غوغل" – الذي سجل في مارس/ آذار الماضي نحو 2.7 مليار زيارة يومياً مقابل 4 ملايين فقط لـ"بربليكستي" – فإن المراقبين يرون أن هذا الفارق قد يبدأ بالتقلص سريعاً. ليلي راي، خبيرة تحسين محركات البحث في نيويورك، تقول إنه بمجرد أن يعتاد الناس استخدام أدوات تعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي بدلاً من محركات البحث التقليدية، يصعب التراجع عن ذلك". وتضيف "أسمع باستمرار من يقولون إنهم توقفوا عن استخدام ’غوغل‘ كلياً. لقد بات كثرٌ يلجأون إلى ’تشات جي بي تي وبربليكستي في كل ما يبحثون عنه".

وبدأ قطاع التكنولوجيا يولي اهتماماً متزايداً بـ"بربليكستي" الذي نجح في إثارة إعجاب بعضٍ من أكبر شركات التكنولوجيا – بما في ذلك تلك التي كانت تعتمد سابقاً على "غوغل" لتوفير خدمات البحث لعملائها.

فخلال المحاكمة الأخيرة لقضية الاحتكار ضد "غوغل" في الولايات المتحدة، كشف إيدي كيو، أحد كبار التنفيذيين في "أبل"، عن أن الشركة بدأت محادثات مع "بربليكستي" لبحث إمكان دمج أدوات "محرك الإجابات" في أجهزتها – وهو تصريح علني نادر من شركة تُعرف بالتكتم الشديد على شراكاتها حتى لحظة الإعلان الرسمي وفقاً لشروطها. وقال كيو: "لقد أعجبنا كثيراً بما أنجزه ’بربليكستي‘، لذلك بدأنا نقاشاً معهم حول ما يقومون به".

وكذلك لم تكُن "أبل" وحيدة في إبداء الاهتمام بعقد شراكة مع "بربليكستي". وقد تحدثت مع الأخير شركة "سامسونغ" التي تبيع نحو 224 مليون هاتف ذكي سنوياً، وتعتبر من عمالقة صناع أجهزة الـ"أندرويد" التي تفوق عدد منتجات "أبل" بثلاثة أضعاف.

ووفق الخبيرة راي، "إذا عقدت سامسونغ وأبل شراكات مع بربليكستي، فسيحمل ذلك إمكاناً كامناً في إزاحة غوغل عن موقعه بوصفه محرك البحث البديهي، فهذه ستكون خطوة ضخمة لأنها ستحرم غوغل من أحد أكبر مصادر حركة المرور على الإنترنت". يُذكر أن "أبل" و"سامسونغ" تبيعان معاً ما يقارب نصف مليار هاتف ذكي سنوياً.

وبحسب راي، حتى لو اقتصرت الصفقة على أحد الطرفين، "أبل" أو "سامسونغ"، فستكون "ضخمة. وإذا أُدمج "بربليكستي" بصورة فعلية (في منتجات إحدى الشركتين) ولم يعُد "غوغل" المحرك البديهي فيها، فسيثير ذلك الاضطراب لديه". ولم تستجِب "أبل" ولا "غوغل" بصورة فورية لطلب التعليق على هذه القصة.

وفي المقابل، ضمن نطاق أوسع، ليس بوسع الرهانات أن تكون أعلى من ذلك. وبحسب راي، "يتبلور ذلك أكثر مع تذكر أن تلك المنتجات هي محركات بحث بالفعل. وباستطاعة الناس الانتقال إلى استعمال بربليكستي وتشات جي بي تي في التفتيش عن الأشياء كلها".

مع ذلك، لا يتفق الجميع مع فكرة أن "غوغل" بات على شفير التراجع الحتمي. ووفق كلمات ألكسندرا أورمان، الباحثة في "جامعة زيوريخ" والمتخصصة في محركات البحث، "لستُ متأكدة من حلوله (بربليكستي) كبديل عن غوغل". ويرجع السبب في ذلك إلى شكل وطريقة تقديم النتائج لدى "بربليكستي" ومنافسيه من شركات الذكاء الاصطناعي. وبحسب رأيها، "الناس يقولون: حسناً. نحن نسعى بالفعل إلى إجابات سريعة، لكننا نستمر في تفضيل محركات البحث لأن كل روبوتات الدردشة تسارع على الدوام إلى تقديم إجابات طويلة".

ولا يزال هذا هو الواقع حتى الآن: إذا طرحتَ على "بربليكستي" سؤالاً بسيطاً فلسوف يزودك بإجابة تعطيك إجابة صحيحة في ست كلمات "إن عاصمة اليونان هي مدينة أثينا"، ثم تمضي لتقديم 160 كلمة أخرى، غير ضرورية. إطرح السؤال نفسه على "غوغل"، وستأتيك الإجابة بكلمة واحدة مكتوبة بخط كبير على رأس صفحة فيها نتائج البحث.

ولكن، مع تطور الذكاء الاصطناعي وتطور النماذج اللغوية (مثل "تشات جي بي تي")، من المرجح أن يتطور ذلك الأمر أيضاً. وفي المقابل، ترى أورمان أن ثمة مشكلة أخرى غير الإجابات المسهبة بصورة واضحة التي يعطيها الذكاء الاصطناعي. وتتمثل تلك المشكلة في مدى تزامن ذلك التطور المتوقع في "بربليكستي"، مع تبني الجمهور له.

وتقول أورمان "سيكون من المثير متابعة ما ستؤول إليه الأمور مع بربليكستي، إذ إنهم حتى الآن يواجهون بعض التحديات في هذه السوق"، مضيفة "لا يظهرون كخيار تلقائي في أية منصة، لذا يتعين على المستخدمين البحث عنهم والوصول إليهم بأنفسهم".

لكن هذا الواقع قد يتغير جذرياً إذا دخل "بربليكستي" في شراكات مع كبار مصنّعي الهواتف الذكية أو مع شركات كبرى تضعها في متناول مئات ملايين المستخدمين.

ويضاف إلى ذلك أن من يتابعون عن كثب التبدلات الكبرى التي تحدث في محركات البحث، يشعرون بأن نوعية المنتج الذي تُروج له الشركة الرائدة في ذلك القطاع، أي "غوغل"، تتدهور بسرعة. وتقول راي، "يشعرني ذلك بأنهم (غوغل) في حال من الذعر والسعي إلى الالتحاق بالركب، ولا يتحركون إلا بما يتوافر لهم من سرعة للبقاء على إيقاع منتجات الذكاء الاصطناعي"، مضيفةً "غالباً ما يطرحون منتجات غير مكتملة، ثم يبدأون بالبناء عليها لاحقاً".

وتحيلنا تلك الكلمات إلى مسرد سبق أن رأيناه في عالم التكنولوجيا. فقد كانت "نوكيا" في أحد الأيام القوة المهيمنة في عالم الهواتف المحمولة، ثم سلكت مساراً متخبطاً حوّلها إلى ديناصور تكنولوجي. وإذا امتلكت من العمر ما يكفي، فلسوف تتذكر حقبة شكّل فيها محرك البحث "أسك جيفز" Ask Jeeves (حرفياً، إسأل جيفز)، محور الاهتمام في التكنولوجيا.

وتقول راي إن "غوغل"، بخلاف "نوكيا"، لا يزال تحاول جاهداً الحفاظ على موقعه، لكن التحدي سيكون صعباً. وتوضح: "يجب أن تصبح غوغل صاحبة أفضل نموذج لغوي كبير. وعليها أن تقدّم تجربة متفوقة إن أرادت الحفاظ على مستخدميها".

ومع تطور الذكاء الاصطناعي وتحسنه يوماً بعد يوم، صار السباق نحو المستقبل جزءاً من الحاضر. وفي سياق ذلك السباق، قد نجد ذات يوم أننا نطرح على روبوت دردشة سؤالاً عما حل بـ"غوغل".

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI