شكلّت حادثة اختطاف سفينة الشحن التجاري "غالاكسي ليدر" في الـ 19 من نوفمبر منعطفا خطيرا في التصعيد العسكري للحوثيين ضمن ما اسموه "التضامن مع غزة" وضد الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.
هذا التصعيد قد يغير خارطة الصراع في المنطقة، خصوصا أنه يتصاعد في أهم الممرات المائية التي تشكل نسبة ليست بالهينة من حجم التجارة العالمية.
يرى مراقبون أن "حشر الحوثيين أنوفهم" في الحرب التي يشهدها قطاع غزة ليس له علاقة بالتضامن مع الحق الفلسطيني، بل هو جزء من منظومة الأجندة الإيرانية الطامحة للتوسع في المنطقة على حساب مصالح الدول العربية في الدرجة الرئيسية.
تداعيات التصعيد الحوثي على الداخل
يعيش اليمن منذ تسع سنوات حربا واسعة ألقى بضلاله على الوضع العام في البلد، وخصوص الوضع المعيشي، حيث شهد الاقتصاد اليمني نزيفا حادا جراء الحرب، وهو ما ضاعف من الفاتورة الباهظة على المواطن، ومع هذا فإن دخول البلاد في مرحلة حرب إقليمية سيكون لاه تداعيات غير مسبوقة على الداخل اليمني، وهو ما لم يتمناه الشعب اليمني برمته.
لكن هذه التداعيات لم تكن في حساب الحوثيين الذين يرون أن الانخراط في حرب غزة ما هو إلا تضامن وواجب لدعم القضية الفلسطينية غير مكترثين بالنتائج التي سيخلفها التصعيد العسكري على الوضع العام في البلاد، خصوص مع التحركات والجهود التي تبذل من أجل التوصل لحل سياسي ينهي الحرب في اليمن وتجنبا لمزيد من الانهيار والحيلولة دون الذهاب إلى مرحلة اللا عودة.
ويقول الباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، إبراهيم جلال في تصريح لـ " يمن فريدم" "إن تداعيات الانخراط متعددة، ومنها محاولة استمالة وتوظيف المشاعر المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتشتيت الرأي العام عن الاستحقاقات الخدمية والوظيفية، وتوسيع القاعدة الشعبية بالنظر إلى موقف الشعب اليمني الثابت من القضية الفلسطينية في مختلف المكونات، والتحشيد المالي والعسكري باسم فلسطين قبيل أي تصعيد عسكري داخلي أي إيجاد غطاء خارجي يستبدل شماعة "العدوان"، وبلا شك زيادة عسكرة المياه الإقليمية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي".
التنصل مع التزامات السلام في اليمن
يمثل التصعيد العسكري للحوثيين خارج حدود اليمن نقطة تحول كبيرة لإرباك المشهد السياسي برمته، في ظل الحديث عن قرب التوصل لاتفاق سياسي يضع نهاية للحرب وتجنب المزيد من التداعيات، فهناك التزامات يضعها المجتمع الدولي على الأطراف اليمنية بهدف التقيد بها للحفاظ على المكاسب المتوقعة من أي اتفاق سياسي.
وهناك من يرى أن خوض الحوثيين في الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، هو محاولة للتنصل مع التزامات السلام في اليمن، لتاتي حادثة اختطاف السفينة وتزيد الطين بلة، فالردود المحلية والإقليمية والدولية سلطت الضوء على خطورة هذا التصعيد ودانته بل واعتبرته عملا إرهابية وقرصنة تهدد سلامة الملاحة والتجارة الدولية ومصالح الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
محاولات لكسب المواقف داخليا وخارجيا
وجد الحوثيون فرصة سانحة لهم للظهور بطريقة أو بأخرى لمحاولة كسب المواقف على المستوى الداخلي والخارجي لتصدر المشهد في ظل تصاعد الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، حيث سارعت الجماعة في إيجاد مكان لها في هذه الحرب ولو بطريقة لها تأثير أقل كما يرى مراقبون.
ويقول الصحفي اليمني، خليل العمري " إن العنوان الأبرز لحرب جماعة الحوثيين في اليمن كان (فلسطين) ..لهذا مع الحرب الإسرائيلية على غزة وجدت جماعة الحوثيين نفسها مكشوفة أمام أنصارها وهي التي تهيمن على البحر الأحمر ولديها إمكانيات حربية قادرة على التهديد سواء تهديد القواعد الإسرائيلية في أرتيريا أو حتى تلك العابرة في البحر الأحمر، لكنها اختارت طريقة تعرف أنها أقل تهديداً وهو إطلاق صواريخ على بعد ألفي كم إلى ايلات تم اسقاطها من قبل منظومة سهم الصاروخية الإسرائيلية كما أعلن عنها المتحدث باسم جيش الاحتلال، ووصفها القيادي في حماس أسامة حمدان بأنها أخبار غير مؤكدة" .
تلبية رغبات إيران
يرى الكثير أن ما يقوم به الحوثيون في ظل تصاعد الحرب والأعمال الاجرامية التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني يذهب في سياق آخر وهو تلبية رغبات إيران في المنطقة تحقيق أجندتها، ولا علاقة بتبني دعم القضية الفلسطينية.
وهو ما أعطى وصفا واضح المعالم لما يسعى من أجله الحوثيين في هذه الحرب، وكما يصف متابعون للشأن اليمني أنها تحركات البي رغبات إيران التي تقود ما بات يعرف بـ "محور المقاومة".
ولخّص الصحفي خليل العمري ما تقوم به الجماعة بالقول " خلاصة الأمر، الحوثيون هم مجموعة يمنية تعمل بالوكالة لصالح إيران ولن تتدخل بشكل جدي في باب المندب والبحر الاحمر الا إذا تم مهاجمة إيران اما فلسطين فهي تعمل على استغلال القضية ودغدغة عواطف اتباعها".
ردود الأفعال
الحكومة اليمنية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى دانت اختطاف الحوثيين للسفينة "غالاكسي" التي تعود ملكيتها لرجل أعمال إسرائيلي، كون العلمية نُفذت في المياه الدولية لسفينة تجارية، بل أن الحكومة اليمنية أعلنت رفضها المطلق للعمل الذي وصفته بـ"الإرهابي الحوثي" غير المسبوق الذي استهداف سلامة وحرية الملاحة الدولية.
واعتبرت ذلك اعتداءً ارهابيا لا يكترث بالقضية الفلسطينية العربية ولا بالمصلحة الوطنية اليمنية ولا بالقانون الدولي.
الحكومة اليمنية حذرت من "أن يؤدي هذا العمل إلى تعميق الأزمة الإنسانية للشعب اليمني، ومضاعفة الأعباء الاقتصادية، وتكاليف التأمين والشحن البحري على السفن المتجهة إلى الموانئ اليمنية، كما قد يقود إلى تحويل البحر الأحمر إلي مسرح للصراع".
وعززت "مجموعة السبع" الموقف الدولي ببيان لوزراء خارجية المجموعة، والذي طالب الحوثيين بـ "التوقف فورا" عن تهديد النقل البحري، ودعوة جميع الأطراف إلى عدم تهديد أو عرقلة الممارسة القانونية لحقوق وحريات الملاحة لكل السفن.
البيان وجه الدعوة للحوثيين بشكل خاص أن يوقفوا فورا هجماتهم على المدنيين وتهديداتهم لممرات الشحن الدولية والسفن التجارية، والإفراج عن السفينة غالاكسي ليدر وطاقمها، والتي تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني في المياه الدولية في 19 تشرين الثاني/نوفمبر".
التكسب المادي
شكلّت حرب غزة فرصة أخرى للحوثيين لجمع الأموال باسم دعم الشعب الفلسطيني، في آلية لم تُعرف ولا تخضع لأي رقابة من طرف ثالث، في ظل الحصار المطبق على غزة، ومنع وصول أي دعم مالي للسلطات المدنية في القطاع.
ومع هذا يتساءل الكثيرون عن مصير تلك الأموال التي يجمعها الحوثيون في مناطق سيطرته باسم دعم فلسطين في ظل ظروف غاية في السوء على مستوى الداخل خاصة الجانب المعيشي.
وأشار الصحفي، خليل العمري إلى "أن المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة تعاني من أبسط المقومات المعيشية وفي كارثة حقيقية تشبه الى حد بعيد ما يحصل في القطاع حيث لا كهرباء ولا رواتب ولا خدمات صحية للمواطنين والجماعة تستغل هذه القضية من أجل الثراء، ولعل المطالبة بدعم ما تسميه القوة الصاروخية عبر رسائل اسم اس تكشف هذا التوجه الاستغلالي الحوثي".
من جهته يقول الأكاديمي في جامعة إقليم سبأ، الدكتور أحمد ردمان، إن الحوثيين " كعادتهم في استثمار معاناة اليمنيين فأنهم في هذه المرحلة يستثمرون معركة غزة لصالح مشروعهم السلالي المرتبط بالمشروع الفارسي".
وتابع "وحقيقة الامر أن من ينتهج القتل والظلم والنهب في بلده لا يؤمل منه ان ينصر المظلوم خارج بلده، ولا شك أن هناك فرقا بين النصرة والاستثمار وهذا ما هو واضح اذ لم تقم المليشيات الإيرانية في المنطقة بموقف واحد حقيقي لنصرة غزة.. وكل أعمالهم كانت أقرب إلى المسرحيات منها إلى الحقائق".