2 يونيو 2025
4 يناير 2024
يمن فريدم-خاص
السفينة التجارية غالاكسي ليدر التي استولى عليها الحوثيون الشهر الماضي قبالة سواحل الصليف

 

بالنظر إلى واقع التصعيد العسكري في البحر الأحمر وباب المندب يبدو أن اليمن مقبل على جولة حرب جديدة تفاقم من معناته على المدى الطويل على أقل تقدير، وهذا يعني أن البلد يذهب بعيدا رغم المحاولات الإقليمية والدولية لاعادته إلى الخيار السياسي.

فقد شكّلت الحرب الإسرائيلية على غزة ما يشبه الفرصة للحوثيين للظهور على غير العادة في محاولة لاثبات أنفسهم كقوة صاعدة ومؤثرة على ساحة الصراع الإقليمي خاصة والدولي عامة، وتنفيذ الجماعة سلسلة من العمليات العسكرية على السفن في البحر الأحمر وباب المندوب إلا لموشر يؤكد أن الجماعة تسعى لأن تكون طرفا فاعلا في الحرب الإسرائيلية.

تداعيات التصعيد

يرى محللون أن التصعيد العسكري للحوثيين في البحر الأحمر له ارتباطات مباشرة بإيران التي تقود محور المقاومة في المنطقة، لكن ثمة تداعيات كبيرة على اليمن "المنهك" جراء الحرب منذ تسع سنوات، هذه التداعيات لا مقياس لها في ايديولوجية الحوثيين ومشروعهم كما يصفها المحللون، وإنما لها عدة مقاييس في حسابات الشعب اليمني الذي يأمل أن يتجنبها في ظل الظروف الراهنة.

وقد يمتد التصعيد إلى أن يصبح البحر الأحمر عبارة عن معسكر تتواجد فيه البوارج الحربية المشكلة من الدول التي دعتها الولايات المتحدة للمشاركة في حماية خطوط الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب.

وفي تصريح لـيمن فريدقالت الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ميساء شجاع الدين، "إن مسألة احتواء التصعيد بعيدا عن حرب غزة اتصور هذه المسألة تتعلق بالإيرانيين بدرجة أساسية وحساباتهم، وطالما هم شعروا أن هذا التصعيد بيأتي شعبية لفصيلهم اللي هو فصيل المقاومة ممثلا بالحوثي، لا اعتقد أنه في دافع خصوصا واضح أن الإيرانيين صاروا مسترخيين أن إسرائيل غير قادرة على فتح جبهات متعددة إقليميا أكثر من هكذا".

وتعتقد الباحثة ميساء شجاع الدين، أنه لا توجد إمكانية لإحتواء التصعيد بدون حل مشكلة غزة حتى الآن.

موقف الحوثيين 

يصمم الحوثيون في خطاباتهم على مبدأ استهداف السفن الإسرائيلية أو التي لها علاقة بها والتي تتوجه إلى ميناءإيلاتدون الاضرار بخطوط الملاحة الدولية، وهذه التطمينات لم تجدي نفعا مع المجتمع الدولي وشركات الشحن العالمية، وهذه المواقف تفاقم من خطر التصعيد الذي يزيد مع الحديث حول اتفاق سلام بين الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية أممية، وهذا الحديث يتعارض مع توجه الولايات المتحدة التي اعلنت تحالفا عسكريا لحماية خطوط الملاحة الدولية ومواجهة التهديدات الحوثية في البحرين الأحمر والعربي وبينهما باب المندب.

موقف الحكومة اليمنية 

بدا واضحا الموقف الرسمي لمجلس القيادة الرئاسي اليمني من هجمات الحوثيين والتصعيد العسكري غير المسبوق المتزامن مع اشتداد الحرب على غزة ولذي اتخذ الحوثيون ذريعة لهذا التصعيد، إلان أن هذا الموقف لم يذهب في اتجاه الدعوة لإنشاء تحالف لحماية خطوط الملاحية الدولية، بل هو موقف غير راض عما يحدث.

وجاء هذا الموقف خلال لقاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي استعراض مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية ستفين فاجن في منتصف ديسمبر الجاري لبحث الاجراءات الحكومية بهدف احتواء التداعيات الانسانية الكارثية للهجمات الحوثية على المنشآت النفيسة وخطوط الملاحة الدولية.

وهو ما يؤكد بيان وزارة الدفاع في الحكومة اليمنية، المعترف بها، والذي نفى مشاركة الحكومة في أي تحالف دولي جديد لحماية خطوط الملاحة البحرية التي تتعرض لاعتداءات من قبل الحوثين.

وزارة الدفاع اعتبرت دراسة قرارات سيادية من هذا النوع هي من المهام والاختصاصات الحصرية بالمؤسسات والسلطات العليا للدولة.

البيان الرسمي كان له تصوّر آخر لهذه لخطوة وهي التأكيد على أهمية دعم قدرات الحكومة اليمنية، وأجهزتها لحماية المياه الإقليمية لردع تهديدات الحوثيين واحتواء تداعياتها الكارثية على حرية الملاحة الدولية، و الأوضاع الإنسانية في اليمن، والسلم والأمن الدوليين.

كما أن الموقف الحكومي حذر الحوثيين من مغبة مما أسماها "مغامراتهم الطائشة" بالمصالح الوطنية، ومخاطر عسكرة المياه الإقليمية اليمنية، وتحويلها إلى مسرح لصراع دولي أوسع

الكلفة الاقتصادية لليمن جراء التصعيد

للتصعيد العسكري للحوثيين في البحر الأحمر  تداعيات لها كلُفة اقتصادية باهظة على اليمن الذي يعاني من تبعات الحرب أصلا، ويشهد اقتصاده نزيفا حادا بفعل إنقسام الملف الاقتصادي بين الحكومة والحوثيين.

وتعليقا على ذلك يقول الصحفي الاقتصادي وفيق صالح في تصريح لـ "يمن فريد" " أعتقد أن زيادة التوتر الأمني في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، مع مهاجمة الحوثيين للسفن التجارية، وتعليق شركات الشحن الكبرى تعليق المرور من البحر الأحمر له تداعيات عديدة على الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية وعلى الاقتصاد اليمني، من الناحية الأولى سيؤدي هذا التصعيد المسلح في البحر الأحمر إلى ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن البحري بنسبة كبيرة جدا الأمر الذي سيعمل على رفع أسعار السلع والبضائع والوقود، الأمر الأخر اختيار شركات ملاحة كبرى طريق رأس الرجاء الصالح سيكلفها أعباء مالية وهذا أيضا سيعمل على صعود أسعار السلع وسيؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم".

وأشار الصحفي وفيق إلى تأثر سلاسل الامدادات وتدفق السلع إلى اليمن جراء تعليق شركات الشحن الكبرى أنشطتها الملاحية عبر البحر الأحمر، وهو ما يثير مخاوف حقيقية، خصوصا وأن اليمن يعتمد على أكثر من90% على الاستيراد لتغطية الاحتياجات الغذائية للسكان.

ويرى "أن أولى بوادر أزمات التدفق السلعي والتمويل إلى اليمن، بدأت ملامحها من خلال مواجهة كثير من التجار والمستوردين، إشكاليات حقيقية مع شركات الملاحة التي ترفض المرور عبر البحر الأحمر، علاوة على ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن البحري والذي وصل خلال الأيام الأخيرة إلى أكثر من 200%، والتي يتوقع تزايد حدتها في الفترة المقبلة وسط تصاعد الاضطرابات في البحر الأحمر وباب المندب".

ويعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح "أن إقدام عمالقة الشحن البحري مرور سفنها عبر البحر الأحمر، له تبعات جسمية، على عدد كبير من الدول ومنها اليمن نفسه، الذي يعتمد على الاستيراد لتوفير معظم احتياجاته، من المواد الغذائية الاستهلاكية، وستؤدي هذه الإشكاليات إلى ارتفاع نسبة التضخم ومفاقمة الأزمات في سلاسل الإمداد العالمي".

تداعيات الهجمات على التجارة العالمية

سببت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر آثار ليس على اليمن فحسب بل على التجارة الدولية بشكل كبير وغير متوقع، وهو ما ظهر جليا من تصريحات شركات الشحن الكبرى عن تلك الآثار، حيث قالت الشركات الشحن الكبرى مثل (هاباج لويد، وإم.إس.سي وميرسك، شركة النفط بي.بي، مجموعة فرونتلاين لناقلات النفط ) إنها تجنب طريق البحر الأحمر وغيرت مسارها لتتخذ طريق رأس الرجاء الصالح في الوقت الحاضر تفاديا للهجمات الحوثية المتكررة ضد السفن التجارية.  

كما أوقف عدد من سفن الحاويات في البحر الأحمر وأوقفت سفن أخرى أنظمة التتبع فيما غيرت الشركات المسارات والأسعار بعد الهجمات الحوثيين قبالة سواحل اليمن.

ورغم إعلان بعض شركات الشحن العالمية استئناف عبور سفنها عبر البحر الأحمر، إلا أن هناك مخاوف كثيرة من استمرار التهديدات الحوثية للسفن التي يقول إنها تابعة لإسرائيل أو المتجهة إليها.

التحالف العسكري لحماية السفن

أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف عسكري لمواجهة تهديدات الحوثيين وحماية السفن من أي عمليات عسكرية وضمت (بريطانيا، البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، سيشيل، إسبانيا).

وتسعى السعودية لاحتواء أي تداعيات لحرب إسرائيل مع حماس وطلبت من الولايات المتحدة التحلي بضبط النفس في الرد على الهجمات بالبحر الأحمر.

هذا التحالف العسكري لاقى رفضا حوثيا رافقه تهديد وتوعد باستهداف البوارج الأمريكية في البحر الأحمر ، وهذه التهديدات اطلقها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير

وهذه التهديدات أكدها رئيس وفد الحوثيين المفاوض والمتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام حيث قال"عمليات اليمن البحرية بهدف مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان والحصار على غزة، وليست استعراضا للقوة ولا تحديا لأحد، ومن يسعى لتوسيع الصراع فعليه تحمل عواقب أفعاله، والتحالف المشكل أمريكيا هو لحماية إسرائيل وعسكرة للبحر دون أي مسوغ، ولن يوقف اليمن عن مواصلة عملياته المشروعة دعما لغزة، وكما سمحت أمريكا لنفسها أن تساند إسرائيل بتشكيل تحالف وبدون تحالف، فشعوب المنطقة لها كامل المشروعية لمساندة الشعب الفلسطيني، وقد أخذ اليمن على عاتقه أن يقف إلى جانب الحق الفلسطيني ومظلومية غزة الكبيرة".

وترى الباحثة ميساء شجاع الدين،"أن أمريكا وغيرها من قوى غربية ستبدأ تفكر بجدية في مسألة وجود ساحل تحت سيطرة الحوثي وكيفية إمكانية تغيير هذا الواقع، لكن كيف هذا الشيء غير واضح الآن، لكن أعتقد أنهم أكيد بيدرسوا خيارات مختلفة في هذا الإطار".

التحالف يصمم على وقف الهجمات الحوثية بعيدا عما يحدث في غزة من حرب واسعة، وهذه هي المعادلة التي يتمسك بها الحوثي كشرط لوقف الهجمات، إلان أن لهجة التحالف تزداد حدة، فقد أصدر التحالف، أمس الأربعاء، بيانا شديد اللهجة يحذر الحوثيين منر شن مزيدا من الهجمات على السفن ويدعوهم لوقف الهجمات فورا.

البيان قال إن الهجمات على السفن باستخدام الطائرات بدون طيار والقوارب الصغيرة والصواريخ، المضادة للسفن تشكل تهديدًا مباشرًا لحرية الملاحة التي تعد بمثابة حجر الأساس للسلام العالمي. التجارة في أحد أهم الممرات المائية في العالم.

واعتبر أن هذه الهجمات تهدد أرواح الأبرياء من جميع أنحاء العالم وتشكل مشكلة دولية كبيرة تتطلب عملاً جماعياً، داعيا الحوثيين إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات غير القانونية والإفراج عن السفن وأطقمها المحتجزة بشكل غير قانوني.

وأكد أن الحوثيين سيتحملون مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة.

وقال البيان " نحن لا نزال ملتزمين بالنظام الدولي القائم على القواعد، ومصممون على محاسبة الجهات الفاعلة الخبيثة عن عمليات الاستيلاء والهجمات غير القانونية".

صمت الفاعلين الاقليميين

يرى مراقبون للأحداث والتطورات في البحر الأحمر وباب المندب أن صمت الفاعلين الإقليميين وخاصة الدول المشاطئة للبحر الأحمر له أهداف غير معلنة ولا يمكن الإعلان عنها، خصة فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية، وهنا يجري الحديث عن المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، الدولتان ربما الأكثر تضررا من هذا التصعيد، ورغم ذلك ما تزالان صامتان، ويمكن ربط هذا الصمت بما يجري في غزة من حرب شرسة على المدنيين ومحاولة تهجيرهم من القطاع.

وهناك من يرى أن هذه التداعيات مؤقتة لعل وعسى تزيد من الضغوط على الاحتلال الاسرائيلي لوقف الحرب على غزة، في نفس الوقت تداعياتها على اليمن كبيرة، وهذا ما يفسر الموقف الرسمي للحكومة اليمنية المتسق مع الموقفين السعودي والمصري رغم تلك التداعيات على الداخل اليمني.

وقالت الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ميساء شجاع الدين،إن السعودية أبدت بوضوح عدم اهتمام أو عدم رغبة أنها تنخرط في أي تحالف ضد الحوثيين، وأنهم يحيدوا أنفسهم بشكل كبير من هذا الصراع.

لا يبدو أن هناك اُفق واضح لاحتواء التصعيد العسكري للحوثي في البحر الأحمر في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة وتجنبها فتح جبهات أخرى في المنطقة، وهو ما أعطى الحوثيون مساحة أكثر للتحرك وتوعد السفن الإسرائيلية التي تعبر من البحر الأحمر، ورغم التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة إلا أنه لم يغير من المعادلة كثيرا سوى التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون على السفن التجارية في خطوط الملاحة الدولية، دون التقليل من تزايد هذه الهجمات.

كما أن اتباع أسلوب الحياد للدول المتشاطئة للبحر الأحمر تجاه هجمات الحوثيين عقّد من مهمة الولايات المتحدة على الأقل في المرحلة الراهنة، لحماية خطوط الملاحة الدولية، وهذا له ارتباط بالتصعيد الإسرائيلي في غزة من ناحية وعدم ابداء دول المنطقة استعدادها لحماية السفن الإسرائيلية في ظل ما تمارسه إسرائيل بقطاع غزة.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI