قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن إنه يتوجب على الإدارة الجديدة في سوريا أن تستغل الفرصة لتجنب الخضوع لحكم طائفة أو قوة أجنبية، في وقت تتزايد المطالب ببناء دولة مدنية تستوعب كل مكونات البلاد.
وأكد بلينكن على ضرورة استغلال السوريين هذه الفرصة لعدم الخضوع لحكم ديكتاتور، أو قوة خارجية، أو تنظيم إرهابي، أو طائفة، أو أقلية، وأن ذلك سيكون تحديا لهم.
مستشار سابق للمبعوث الأممي الخاص لسوريا، فولكر بيرتس قال إن التحديات كبيرة في سوريا إذا أنها لم تكن موحدة في آخر 12 عاما، وتوجد جماعات مسلحة في جميع أنحاء البلاد، وهناك حكومة في دمشق.
وقال إنه لا يعتقد أن "(القائد العام للإدارة السورية الجديدة) أحمد الشرع والمسؤولين الآخرين يعرفون أنهم إذا أرادوا حكم سوريا عليهم احترام تعددية المجتمع السوري، الذي يضم فسيفساء جميلة تضم طوائف وعرقيات مختلفة من الشرق الأوسط".
وبالعودة إلى تظاهرة الخميس، حين وقف السوريون قرب نصب السيف الدمشقي الشهير بساحة الأمويين في دمشق، فإنها تسلط الضوء على مطالبة المشاركين بدولة "علمانية" تحترم "المواطنة والقانون"، حيث هتفوا بأن "الدين لله والوطن للجميع".
وفي هذا الصدد، رأت نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري، ديما موسى، أن في الوقت الحالي "هناك خارطة طريق موجودة بجدول زمني محدد، وحديث عن حوار شامل يجب أن يتضمن تمثيلا لكافة الأطياف العسكرية والمدنية والشعب السوري بشكل عام".
وأضافت في تصريحات لقناة الحرة، أن الحوار "يجب أن ينتج عنه جسم حكم انتقالي يعمل على وضع دستور للبلاد، ثم يجري انتخابات وفق الدستور الجديد".
وكانت هيئة تحرير الشام (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) والفصائل المسلحة المتحالفة معها التي أسقطت نظام الأسد، قد أعلنت تشكيل حكومة مؤقتة لمدة 3 أشهر بقيادة محمد البشير.
وواصلت موسى حديثها بالقول، إن "الأولويات للقيادة الموجودة حاليا يجب أن تركّز على تحسين الوضع المعيشي في سوريا، وكذلك إعادة الأمن والأمان والحياة لتكون طبيعية".
"رئاسة" الجولاني وصفة "الإرهاب"
لم يستبعد قائد هيئة تحرير الشام، الشرع، الملقب أيضا بأبي محمد الجولاني، في تصريحات لصحفيين في دمشق عقب سقوط نظام الأسد، إمكانية ترشحه لرئاسة سوريا في انتخابات مقبلة.
وقال: "سأكون مرتاحا لو لم يجبرني الناس أو من حولي على ذلك"، في إشارة إلى الترشح لرئاسة البلاد.
وتعليقا على ذلك، أشار سيدا في حديثه لموقع الحرة، إلى أنه في الوقت الحالي "هناك هواجس من هنا وهناك، ويجب منح الحكومة المؤقتة الفرصة، والتوجه بالتساؤلات أو الانتقادات إلى الحكومة والشرع نفسه".
وتابع: "أي تصريحات صحفية عفوية عادة لا يجب تحميلها أكثر مما تحتمل، لأن الأمور ستتضح بنهاية المطاف، والمرحلة الانتقالية حساسة ولا تستطيع جهة واحدة تحمل العبء لأن التحديات كبيرة".
ويخشى سوريون كثر من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات سورية واستبعاد المرأة من العمل السياسي، رغم سعي الفصائل المعارضة إلى طمأنة الأقليات الدينية في البلاد واعتمادها خطابا أكثر اعتدالا.
وأعاد بيرتس التذكير بأن إسقاط نظام بشار الأسد ساهمت فيه العديد من الفصائل والجهات من جميع المناطق في سوريا، وليس جهة لوحدها، وهو ما قد يمثل نوعا من "المخاطر والفرص"، إذ أن المجموعات الأخرى تريد "نصيبا" من النجاح التي تم تحقيقه ودورا في مستقبل البلاد.
ولم يستبعد محاولة دول الجوار من الاستفادة مما يحصل في سوريا، إذ أن تركيا بسطت سيطرتها على بعض المناطق خلال السنوات الماضية، وإسرائيل كانت تحتل أجزاء من سوريا لفترة طويلة، وهو ما قد يطرح تحديا هاما أمام السوريين بضرورة التوحد للانتقال من حكم سلطوي.
وقال بيرتس إن الانتقال من حكم سلطوي "يرافقه نوع من مخاطر التشرذم في البلاد"، إذ قد تحاول قوى من النظام السابق تنظيم صفوفها لتعطيل بناء حكومة جامعة وممثلة للجميع.
وأكد أنه من أجل الوصول للديمقراطية في سوريا "نحتاج إلى عملية دستورية"، وهو ما قد يطرح تساؤلات على سبيل المثال بالنسبة لتمثيل الأكراد، وهل سيكون لهم حكم ذاتي في مناطقهم؟
وحدد بيرتس دور المجتمع الدولي في بناء دولة مدنية بسوريا، من خلال وجود دعم أممي لعملية سياسية سورية تشمل مسارا دستوريا، وإعادة الإعمار خاصة وأنها منهكة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتحتاج لمساعدات اقتصادية.
وزاد أن هذا يجب أن يترافق مع رفع العقوبات المفروضة على سوريا من عدة أطراف دولية، مشيرا إلى أنه لا يعني بذلك رفع العقوبات المفروضة على بعض الأفراد مثل عائلة الأسد، إنما ما يرتبط بإعادة الإعمار وعمل الشركات الأجنبية في سوريا.
ونوه إلى أن الأولوية لرفع العقوبات أو تجميد العقوبات الاقتصادية عن سوريا، أما بالنسبة لرفع اسم هيئة تحرير الشام من العقوبات وقوائم الإرهاب فإن هذا يعود لمسارات سياسية للدول.
وقبل فك الارتباط عن تنظيم القاعدة، كانت هيئة تحرير الشام تعرف بجبهة النصرة وتتبع فكرا متطرفا، وهي لا تزال تصنف "إرهابية" من قبل عدد من الدول الغربية.
وشدد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم المختلفة خلال سنوات الحرب، وهنا ليس المقصود الانتقام، وإنما تحقيق العدالة الانتقالية المنظمة، بحسب بيرتس.
مطالب بدولة مدنية
في ساحة الأمويين في دمشق، طالب مئات السوريين، الخميس، بإرساء دولة مدنية ديمقراطية وبإشراك النساء في بناء سوريا الجديدة، في أول تحرك من نوعه منذ وصول السلطة الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام إلى العاصمة.
قرب نصب السيف الدمشقي الشهير، تجمع رجال ونساء من أعمار مختلفة، مرددين هتافات عدة بينها "الدين لله والوطن للجميع". وحمل بعضهم لافتات مطالبة "بدولة المواطنة والقانون" و"العلمانية". وجاء في لافتة أخرى "نريد ديموقراطية وليس دينوقراطية" (تيوقراطية).
وأكد بلينكن في تصريحاته بأن الإدارة الأميركية على تواصل مع كافة الجماعات في سوريا.
ولفت أنه لا يزال هناك "خطر تفكك سوريا"، وأن ذلك سيؤدي إلى "عواقب وخيمة" على الشعب السوري.
كما أعرب عن اعتقاده بأن الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي سيتولى مهامه في 20 يناير المقبل، سيضع منع عودة تنظيم داعش في سوريا كأولوية أساسية.