تعتبر المنافذ والمعابر البرية الرابطة بين اليمن والسعودية من الملفات الإنسانية المهمة التي ضاعفت معاناة ملايين اليمنيين وأعاقت تدفق السلع والمنتجات التي يتم تصديرها من الأراضي اليمنية أو التي يتم استيرادها من السعودية، فهذه المنافذ لا تستخدم لمرور المسافرين فقط، بل في مجال النقل التجاري بين البلدين أيضاً.
ويرى خبراء اقتصاد ومراقبون أن إبقاءها خارج الحلول يضاعف أزمة التنقل والسفر التي خنقها العدوان الإسرائيلي باستهدافه مطار صنعاء وتدمير معظم أسطول الخطوط الجوية اليمنية العاملة بالمطار، إذ أدى ذلك إلى عرقلة تفويج الحجاج وتوقف نافذة السفر الوحيدة التي كانت متاحة للمرضى والمسافرين عبر وجهة واحدة من صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمّان.
وتبرز الحاجة للمعابر البرية في ظل تحولها إلى أزمة معقدة في اليمن مع استمرار إغلاق معظم المنافذ الواقعة على الحدود الشمالية مع السعودية بمحافظتي حجة وصعدة، كمنفذ "الطوال" الاستراتيجي بمنطقة حرض، ومنفذ "الخضراء" بمحافظة صعدة.
مطالب بفتح المعابر
الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، يقول في هذا السياق لـ"العربي الجديد"، إن فتح المعابر البرية يعد أهم خطوات بناء الثقة بين السعودية وصنعاء والتي ستقود إلى مفاوضات كفيلة بإنهاء ملف الحرب والانتقال إلى السلام، مشيراً إلى أن فتح المنافذ الواقعة تحت سيطرة صنعاء، سيمثل انفراجة كبيرة للتجار من البلدين، وكذلك للمغتربين اليمنيين.
مصادر محلية بمحافظة حجة تقترح فتح منفذ الموسم والمتوقف منذ سنوات طويلة وجاهز للعمل، أما منفذ حرض فيحتاج إلى سنوات لإعادة تأهيله، إذ لم يعد هناك منفذ بعد أن حولته الحرب إلى كومة ركام.
ومنفذ الموسم نقطة حدودية برية تقع في منطقة جازان في السعودية، ويعد من المنافذ الرئيسية التي تربط السعودية باليمن. ويفيد ناشطون محليون في مناطق محافظة حجة المتاخمة للحدود السعودية، لـ"العربي الجديد"، بأن المسافرين عبر منفذ آخر وهو "الطوال" يمرون عبر حرض التي أصبحت حقول ألغام.
وتؤكد مصادر مطلعة أن الوضع معقد للغاية في التعامل مع هذه المنافذ البرية، حيث يصر الجانبان على عدم فتح هذا الملف الشائك وترحيله لمفاوضات الحلول السياسية لإنهاء الصراع في اليمن.
قرار سياسي
الباحث الاقتصادي مراد منصور، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن فتح هذه المعابر الحيوية يحتاج فقط إلى قرار سياسي من قبل السعودية، وكذا توافق الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين على خطة طارئة لفتح وإدارة هذه المعابر والعمل على إعادة تأهيلها وإصلاحها.
ويلفت إلى أن الأزمة الراهنة في تفويج الحجاج والمسافرين والمرضى بسبب خروج مطار صنعاء عن الخدمة نتيجةً لقصف العدوان الإسرائيلي الذي دمر الطائرة الوحيدة المتبقية، تفرض على الجميع فتح ملف المنافذ الشمالية أحد أهم الملفات الشائكة والمعقدة بسبب الصراع في اليمن.
في السياق، ناشد مواطنون يمنيون وتجار السلطات المعنية بالنظر إلى معاناتهم التي لم يعد أحد قادراً على تحملها في التنقل الشاق والطويل عبر طرق وعرة للسفر من المنافذ البرية على الحدود الجنوبية، كمنفذ "الوديعة" البري في حضرموت، ومنفذ "شحن" التجاري في المهرة الرابط بين اليمن وسلطنة عمان.
المواطن طاهر العنسي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه غير مستعد في حال عدم وجود مبادرات لتخصيص طائرة لتفويج بقية الحجاج عبر مطار صنعاء؛ للتنقل إلى عدن أو "الوديعة" للسفر من هناك.
بينما يتحدث فؤاد البحري، لـ"العربي الجديد"، أن الوقت ضيق وقد يكون الحل بتخصيص باصات من قبل "اليمنية" لنقل الحجاج للسفر عبر منفذ "الوديعة"، لذا فإن الأسهل لو توفرت الإرادة في السفر عبر منافذ حجة وصعدة لأن كثير من المسافرين للحج أو غير ذلك مسنين ومرضى وغير قادرين على تحمل مشقة التنقل الطويلة داخل اليمن.
ورغم قيام بعض الأطراف بمبادرات لفتح منفذ "الطوال" ومنفذ "الخضراء" إلا أن استجابة السعودية للمطالب الشعبية والمبادرات وفق الاقتصادي اليمني رشيد الحداد كانت ضعيفة إن لم تكن منعدمة ومرتبطة بالمفاوضات السياسية. ويشرح أن منفذ "الخضراء" جاهز من طرف صنعاء لاستقبال المسافرين، وتصدير الشحنات الخاصة بالمنتجات الزراعية، التي تزود السوق السعودي بالخضروات الطازجة والفواكه المختلفة، لذا حسب قوله يتبقى فتح المنفذ من الجانب السعودي.
وبخصوص منفذ حرض وهو الأقرب إلى جانب منفذ الخضراء؛ يؤكد الحداد أن فتحه سيخفف معاناة معظم اليمنيين الذين يضطرون للسفر إلى سلطنة عمان من أجل الانتقال جواً إلى وجهات مختلفة من العالم وخاصة رجال الأعمال والطلاب الدارسين في الخارج. يأتي ذلك مع استمرار إغلاق هذا المنفذ الحيوي حتى بعد توقف المعارك العسكرية التي شهدتها منطقة حرض طوال سنوات الحرب في اليمن بين الحوثيين والقوات الحكومية التي كانت مدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
ويؤكد تجار أن طول المسافة من مناطق الإنتاج الرئيسية في مناطق اليمن الشمالية والغربية إلى منافذ التصدير العاملة شرقي البلاد والتي تزيد على 2500 كيلومتر، يكبد التجار والمزارعين والمصدرين تكاليف باهظة وخسائر نتيجة تلف بعض المنتجات التي لا تتحمل بعد المسافة ووعورة الطرق مع ارتفاع قياسي في تكاليف النقل الداخلي والخارجي، كما تسبب ذلك بأكبر كساد للمنتجات الزراعية شهدته اليمن هذا العام منذ سنوات طويلة.
قبل الحرب في اليمن عام 2015، كانت تمر نحو 50% من الصادرات اليمنية غير الاستخراجية و60% من الواردات عبر منفذ الطوال الحدودي البري، الذي يربط اليمن بالسعودية من الجهة الشمالية، إذ كانت معظم هذه الصادرات عبارة عن منتجات غذائية زراعية ومنتجات سمكية.
وتُقدر القيمة الإجمالية للتجارة عبر الحدود التي تمر عبر منطقة حرض في محافظة حجة شمالي اليمن بنحو 1.5 مليار دولار وفق بيانات غير رسمية، في حين تسبب إغلاق هذه الحدود منذ نحو 10 سنوات بقيود كبيرة على النقل والتجارة والنشاط الاقتصادي في البلاد.
(العربي الجديد)