أعلنت قوات "الدعم السريع" بسط سيطرتها على حقل هجليج النفطي، أكبر المنشآت البترولية وأحد أهم الأصول النفطية في السودان، بما في ذلك مقر اللواء 90 - مشاة في المنطقة، عقب انسحاب قوات الجيش نحو جنوب السودان وإجلاء العمال والمهندسين السودانيين والصينيين من الموقع، وبذلك يكون الجيش السوداني قد خسر آخر معاقله بغرب كردفان.
وفيما لم يصدر حتى الآن إعلان أو بيان رسمي من الحكومة أو الجيش السوداني، كشفت مصادر محلية عن أن الفرق الفنية بالحقل قامت بإيقاف الإنتاج وإغلاقه، وتم سحب العاملين إلى داخل حدود دولة جنوب السودان، قبيل إعلان "الدعم السريع" السيطرة عليه. وبثت منصات الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لقواتها، وهي تتحرك بحرية وسط منشآت وآبار النفط.
أكبر الحقول
يعد حقل هجليج التابع إدارياً لولاية غرب كردفان على الحدود مع جنوب السودان، أكبر حقول النفط في السودان، وشهد خلال السنوات الماضية مواجهات مسلحة عدة بسبب موقعه الحيوي وقربه من حدود ولايات تشهد توترات متكررة، إذ تعتبر المنطقة بوابة رئيسة بين ولايات جنوب وشمال وغرب كردفان وشرق وجنوب دارفور.
ويضم الحقل 75 بئراً بطاقة إنتاجية ما بين 60 إلى 80 ألف برميل في اليوم قبل الحرب، تدنى بعدها الإنتاج إلى ما دون النصف بسبب الأعطال الفنية وتداعيات شح الموارد. كما يضم الحقل المنشآت الرئيسة للمعالجة، وخزانات للخام بسعة تتجاوز 400 ألف برميل، إضافة إلى محطة ضخ النفط الرئيسة لنفط دولة جنوب السودان، بجانب خط الأنابيب الناقل لمصفاة الجيلي شمال الخرطوم وللتصدير عبر ميناء بشائر شرق السودان.
"تأسيس" يطمئن
وأكد تحالف السودان التأسيسي "تأسيس" بقيادة "الدعم السريع"، أن قواته ستقوم بالسماح، من ودون أي عوائق، لجميع المهندسين والعاملين في حقل هجليج بمباشرة أعمال الصيانة اللازمة، بما يسهم في مواصلة عمليات الإنتاج بصورة كاملة، وطمأن المتحدث الرسمي باسم التحالف علاء الدين نقد السودانيين وشعب جنوب السودان والعالم، بخاصة الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في مجال البترول، بالتزام قواته التام بتأمين منشآت النفط بمنطقة هجليج، بما في ذلك خطوط النقل وغيرها من المرافق وتشكيل قوة خاصة لحماية البترول والمنشآت النفطية.
ولفت التحالف إلى بذل الجهود كافة لحماية المدنيين وتأمين مسارات الرعي للبادية والقبائل الرعوية وتسهيل حركة التجارة والنقل بما يسهم في تعزيز الاستقرار الأمني والاجتماعي بالمنطقة التي تشهد تداخلاً سكانياً مع دولة جنوب السودان، وأصدر رئيس الإدارة المدنية التابعة لـ"الدعم السريع" بولاية غرب كردفان يوسف عليان، قراراً بحظر دخول أية قوة أو جهة غير مخولة إلى حقل هجليج، باستثناء القوة المكلفة رسمياً بحمايته حفاظاً على الانضباط الأمني.
جيش الجنوب
على صعيد متصل أعلن مساعد رئيس هيئة أركان جيش دولة جنوب السودان الفريق جونسون أولونج استقبال بلاده ضباطاً وجنوداً من الجيش السوداني مع كامل عتادهم العسكري واللوجستي، وصلوا إلى إدارية روينق في ولاية الوحدة قادمين من منطقة هجليج النفطية. وأوضح أولونج، في تصريحات صحافية، أن "دولته أدت واجبها الإنساني والأخوي تجاه استقبال الجنود والضباط السودانيين بتوجيهات رئاسية مباشرة، بعد اتصالات وتفاهمات رفيعة المستوى بين قيادة البلدين".
وبعد ساعات من إعلان "الدعم السريع" سيطرتها على حقل هجليج النفطي على حدود البلدين، أصدر جيش دولة جنوب السودان، بياناً طمأن فيه على سلامة كل المنشآت والحقول النفطية في الدولة.
سيطرة كاملة
وأعلن مستشار قائد "الدعم السريع" الباشا طبيق تمكن قوات "تأسيس"، وهو الاسم الذي يطلق على مجموعة القوات التي يشارك فيها كل من "الدعم السريع" والحركة الشعبية والطاهر حجر والهادي إدريس، من بسط سيطرتها الكاملة على اللواء 90 في منطقة هجليج وانهيار آخر معاقل الجيش في الولاية.
وأشار طبيق إلى أن السيطرة على حقول النفط تقطع الشريان الرئيس الذي كان يغذي الحكومة بالنفط والعملات الحرة وعقود شراء السلاح والطائرات المسيرة، وتعتبر ضربة قاصمة لبنيته الاقتصادية وقدرته على الاستمرار في الحرب.
ووجه طبيق رسالة إلى الشركات الصينية وبقية الشركات العاملة في الحقول أكد فيها التزامهم بالتعاقدات السابقة واستعدادهم للعمل المشترك لاستئناف الإنتاج في أقرب وقت ممكن، بجانب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين المنشآت النفطية العاملة بالحقول.
آخر المواقع
في السياق أوضح وزير البترول والطاقة السابق عادل إبراهيم أن سقوط منطقة هجليج، بما فيها من حقول ومنشآت لإنتاج خام البترول السوداني ومحطة لضخ الخام المنتج والواصل من جمهورية جنوب السودان، يعني توقف آخر مواقع البترول التي كانت تعمل بالسودان قبل الحرب، مشيراً إلى أنه لم يتبق غير محطة الجبلين وخط أنابيب بترودار الذي ينقل بترول جنوب السودان المنتج من حقلي فولوج وعدار.
وأشار إبراهيم إلى أن حقول الفولة وبليلة وكيا وجيك وحديدة وأبو سفيان بمربع 6 بالمنطقة نفسها، ظلت متوقفة بسبب الحرب منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، كما "أعلنت شركة النفط الصينية سي بي إن سي خروجها رسمياً من العمل والانسحاب من الاتفاق المبرم معها، وظلت مصفاة نفط الجيلي بالخرطوم متوقفة عن العمل عقب الخراب الذي لحق بها أثناء المعارك داخلها".
نهاية مبكرة
وكانت الشركة الوطنية الصينية للنفط المشغلة للحقل، قد أبلغت السلطات السودانية بالإنهاء المبكر لعقدها في الـ30 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بدلاً من عام 2026، بعد أكثر من 30 عاماً من التعاون مع وزارة الطاقة والبترول بالسودان.
وفي نهاية يوليو/ تموز الماضي، أجرت الشركة تقليصاً واسعاً للعمالة بالاستغناء عن نحو 60% من الكوادر المحلية، من فنيين ومهندسين، مما يعتبر مؤشراً إلى أن قرار الخروج كان قيد الإعداد منذ أشهر.
جبهات ساخنة
في شمال كردفان، وفي وقت يسعى فيه الجيش إلى استعادة السيطرة على مدينة بارا بغرض تأمين عاصمة الولاية الأبيض، كشفت مصادر ميدانية عن توتر متصاعد تتخلله مواجهات متقطعة بمناطق أم صميمة وأبو قعود، الواقعة جنوب وغرب الأبيض، في ظل استمرار تزايد الحشود العسكرية من الجانين، بصورة تجعل المنطقة على أعتاب مواجهة وشيكة.
واتهمت "الدعم السريع" الجيش باستهداف مدينتي كتم وكبكابية في ولاية شمال دارفور بالطائرات المسيرة، مما خلف عشرات الضحايا.
وفي جنوب كردفان حذرت مصادر محلية من استمرار تزايد الحشود العسكرية من "الدعم السريع" وحليفتها الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، حول مدينتي كادوقلي عاصمة الولاية والدلنج القريبة منها المحاصرتين منذ فترة. واتهمت المصادر هذه القوات بمهاجمة بلدة الكويك جنوب الولاية نفسها، وأعلن الجيش الشعبي الذراع العسكري للحركة الشعبية - شمال أن تحرير المدينتين بات مسألة وقت لا أكثر.
ودعا بيان لرئيس هيئة أركان الجيش الشعبي عزت كوكو أنجلو من وصفهم بشرفاء وعقلاء الجيش إلى الانسحاب من المدينتين وتسليمهما حفاظاً عليهما من الدمار وحقناً لدماء المواطنين الأبرياء، وفتح ممرات لخروج المواطنين منهما إلى مناطق آمنة.
نزوح متصاعد
ومع تصاعد التوتر وتفاقم انعدام الأمن بجنوب كردفان، بدأت حركة نزوح متصاعدة من مدينة كادوقلي إلى مواقع متفرقة في محافظتي شيكان في شمال كردفان وأبو زبد غربها.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية نزوح نحو 450 شخصاً من مدينة كادوقلي، خلال يوم واحد نهاية الأسبوع الماضي.
وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب)، منذ أسابيع عدة، مواجهات واشتباكات ضارية بين الجيش السوداني و"الدعم السريع"، بجانب هجمات متكررة بالمدفعية والطائرات المسيرة.
حوار جيبوتي
سياسياً من المنتظر أن تنطلق في الـ16 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري ولمدة يومين في جيبوتي، فعاليات الحوار السوداني - السوداني، برعاية مجموعة الخماسية التي تضم الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي بجانب منظمة "إيغاد" والجامعة العربية.
ووجه الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" الدعوة للقوى السياسية السودانية المختلفة على رأسها التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، الكتلة الديمقراطية، وتنسيقية القوى الوطنية، كما أكدت مصادر بتحالف السودان التأسيسي "تأسيس" تلقيها دعوة لحضور فعاليات الحوار.
وهدد حاكم إقليم دارفور رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي بالمقاطعة وعدم المشاركة في الفعاليات في ظل دعوة "تأسيس"، واعتبر دعوة خمس جهات دولية وإقليمية لحكومة "الجنجويد وما يعرف بتحالف تأسيس، تجاهلاً لممارسات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تقوم بها هذه الميليشيات".
خيارات صعبة
إلى ذلك أقرت الأمم المتحدة بانخفاض التمويل المقدم من المانحين في وقت وصلت فيه الاحتياجات الإنسانية إلى مستويات لم تصل إليها من قبل، وأوضح منسق الإغاثة والطوارئ بالأمم المتحدة توم فليتشر، في تصريحات صحافية، أن خفض التمويل والدعم سيجبرهم في نهاية المطاف على اتخاذ خيارات صعبة وقاسية بإعطاء الأولوية فقط للأشخاص الأكثر احتياجاً.
وأضاف "أننا مثقلون بالأعباء، ونعاني نقص التمويل، ونتعرض لهجمات، ونقود سيارة الإسعاف باتجاه النيران نيابة عنكم، ولكن يطلب منا الآن إخماد الحريق ولا يوجد ما يكفي من الماء في الخزان، ويتم حتى إطلاق النار علينا"، مشيراً إلى تفاقم التحديات التي تواجهها وكالات الإغاثة التي تشمل الأخطار الأمنية التي يتعرض لها الموظفون في مناطق النزاعات، وعدم القدرة على الوصول إلى تلك المناطق.
وقبل نحو عام، طالبت الأمم المتحدة بتخصيص مبلغ 47 مليار دولار لعام 2025 الحالي، غير أن المبلغ جرى تقليصه لاحقاً بواسطة عدد من كبار المانحين.
(اندبندنت عربية)