2 يونيو 2025
4 مايو 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-طارق الشامي


بعد أشهر من المفاوضات الشاقة، وقعت أوكرانيا أخيراً اتفاقاً مع إدارة الرئيس دونالد ترمب تتقاسم الولايات المتحدة بموجبه مع كييف الإيرادات المستقبلية من احتياطات أوكرانيا المعدنية، مما يفتح باباً من الأسئلة، ما تداعيات هذه الصفقة؟ وما رسالتها لموسكو؟ وأين تقف كييف وواشنطن الآن؟ وكيف يمكن أن تؤثر في السلام مع روسيا وسط تصريحات وزير الخزانة الأمريكي بأن إدارة ترمب ملتزمة عملية سلام تتمحور حول أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل؟

ليست غاية

منذ البداية وقبل أسابيع من إبرام صفقة المعادن مع الولايات المتحدة، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي واضحاً في أن الصفقة ليست غاية في حد ذاتها، محدداً الهدف منها في تمهيد الطريق لمحادثات أكثر أهمية حول الدعم العسكري الأمريكي وشروط وقف إطلاق نار محتمل مع روسيا، لكنه الآن يرى ثمار التوقيع على هذه الشراكة الاقتصادية بين واشنطن وكييف، ويعتبرها خطوة نحو تعزيز الأمن وتوفير ضمانات أمنية متينة.

وارتياح زيلينسكي له مبرراته، فهو يعاكس ذلك الانزعاج الذي رافق البنود المعلنة في اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحته الولايات المتحدة، إذ اعتبرت كييف أنها تصب في مصلحة وأن الاتفاق يجبر أوكرانيا على التخلي عن تطلعاتها للانضمام إلى "الـناتو"، ولم يكُن يقدم لها سوى ضمانات أمنية مبهمة، وسيؤدي إلى اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بشبه جزيرة القرم كجمهورية روسية، وكذلك اعتراف واشنطن بحكم الأمر الواقع بأربعة أقاليم أوكرانية تحتلها روسيا على طول خطوط السيطرة الحالية، فضلاً عن رفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا وتعاون الدولتين في مجال الطاقة، مما جعل أوكرانيا ترفض هذا الاتفاق.

ولا شك في أن خطة السلام الأمريكية سرعت من موافقة كييف على توقيع اتفاق المعادن لتقاسم أرباح الموارد الطبيعية مع الولايات المتحدة لأنها اغتنمت الوقت المناسب الذي تشعر فيه إدارة الرئيس الأمريكي بإحباط متزايد إزاء استمرار قصف روسيا للمدن الأوكرانية وتحديها لمطالب دونالد ترمب بالتهدئة، ومن ثم كان تعديل الصفقة على نحو يلبي قدراً أكبر من التطلعات الأوكرانية، ملائماً تماماً.

وبدلاً من الاستمرار في إثارة غضب الرئيس الأمريكي وإطالة أمد التفاوض حول تفاصيل الصفقة، كان لقاء ترمب مع زيلينسكي بداية جيدة لإحداث التحول المطلوب وتخفيف حدة الغضب الأمريكي، مما ذلل كثيراً من الصعاب التي ما كانت لتنفرج لولا الإشارات الخضراء من ترمب نفسه، ويفسر السبب وراء إعلان الخارجية بعد ساعات من توقيع الصفقة أن الإدارة الأمريكية لن تتولى دور الوسيط في التفاوض على اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا بعد رفض بوتين قبول وقف إطلاق نار كامل، كما كان نائب الرئيس جي دي فانس أكثر حزماً حينما استبعد أن تنتهي الحرب في أي وقت قريب، وأن الأمر سيكون متروكاً للروس والأوكرانيين بعد أن عرف كلاهما شروط الآخر للسلام.

فوز جديد لترمب

ومنحت أوكرانيا ترمب فوزاً جديداً بالإعلان عن شراكة اقتصادية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، تمثل خبراً ساراً لكل من يرغب في رؤية واشنطن تتراجع عن عدائها تجاه كييف خلال الأشهر الأخيرة، إذ إن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الصفقة أنه بينما يواصل بوتين رفض مساعي ترمب للسلام، وافقت أوكرانيا على صفقة تجني منها أمريكا ثروة هائلة.

لكن الأهم من ذلك كله أن عقد صفقة سيفتح الباب أمام المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا بحسب كبير الباحثين في مركز "أوراسيا" دوغ كلاين، ففي وقت استمر تدفق الأسلحة التي التزمت بها إدارة بايدن، لم يقدم ترمب أية التزامات جديدة لدعم الدفاع عن أوكرانيا منذ توليه منصبه، لكنه الآن عكس توجهه، فينص الاتفاق في بنده السادس بحسب نائبة رئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو، على أن المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة، مثل أنظمة الدفاع الجوي، ستكون استثماراً في الصندوق المشترك بين البلدين، وهي دفاعات جوية بعيدة المدى لا توفرها سوى الولايات المتحدة لصد ضربات الصواريخ الباليستية الروسية على المدن الأوكرانية.

وبينما شكك خبراء الأمن التقليديون في إمكان أن تغني الصفقة عن الوجود العسكري البري كضمان كافٍ لأمن أوكرانيا، فإن الاتفاق سيسهل زيادة الاستثمارات الأمريكية ووجود عسكريين أمريكيين في أوكرانيا، مما سيمنح الولايات المتحدة اهتماماً قوياً بأمن واستقرار هذا البلد في المستقبل، بل إن هذا بالنسبة إلى رجل أعمال مثل ترمب ربما يكون بمثابة التزام أقوى من نشر القوات، كما يقول مدير مركز "سكوكروفت" للاستراتيجية والأمن ماثيو كرونيغ.

وعلى رغم أن مطالب ترمب الأولية في هذه الصفقة كان مبالغاً فيها لأنها شملت استحواذ الولايات المتحدة جزئياً أو كلياً على مساحات واسعة من الموارد الطبيعية والبنية التحتية الأوكرانية مما دفع زيلينسكي إلى رفضها في فبراير/ شباط الماضي، فإن النتيجة النهائية تمثل ميزة اقتصادية وتجارية كبيرة للولايات المتحدة، حيث سيكون بوسع أمريكا أن تضع يدها جزئياً على المعادن الحيوية التي تعرف بأنها موارد رئيسة للأمن الاقتصادي أو القومي، إذ إنها تستخدم في المعدات العسكرية وأجهزة الكمبيوتر والبطاريات وكثير من المنتجات الأخرى، وفقاً لأستاذ الدراسات الدولية في جامعة "واشنطن" سكوت مونتغمري.

وتظهر قائمة تضم 50 معدناً حيوياً أعدتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن أكثر من 12 معدناً تعتمد عليها الولايات المتحدة متوافرة بكثرة في أوكرانيا، من بينها ثلاثة معادن أساسية هي المنغنيز والتيتانيوم والغرافيت، وهناك عدد من المعادن المهمة الأخرى المستخدمة في تقنيات أشباه الموصلات والبطاريات مثل الزنك والغاليوم والجرمانيوم، فضلاً عن معادن حيوية مهمة للطاقة والاستخدامات العسكرية مثل الليثيوم والسكانديوم الذي يستعمل في سبائك الألمنيوم لمكونات الطائرات، والمعادن الأرضية النادرة.

يوم سيئ لبوتين

في المقابل، يبدو يوم توقيع الصفقة سيئاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأن الاتفاق إضافة إيجابية للسياسة الاقتصادية والأمنية لواشنطن التي وجدت أصدقاء يزودونها بالمعادن الرئيسة، إذ لا يمكنها الاعتماد على خصوم مثل الصين أو روسيا في ذلك، وهو إيجابي أيضاً لأوكرانيا، ليس فقط لأن لديها الآن مستثمراً ملتزماً التزاماً واضحاً بالعمل على تنمية اقتصادها، ولكن أيضاً لأن الاتفاق يمنح ترمب بعبارات يفهمها اهتماماً ملموساً بضرورة بقاء أوكرانيا على المدى الطويل كدولة آمنة وقابلة للاستمرار اقتصادياً، مما عكسه تصريح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بأن إدارة ترمب ملتزمة بعملية سلام تتمحور حول أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل.

إن مثل هذا التصريح والتزام واشنطن يقوضان الآن جميع أهداف الكرملين، ومع هذا الاتفاق ربما يدرك بوتين أنه قلل مرة أخرى من شأن أوكرانيا، كما سيلاحظ الكرملين باستياء أن هذا الاتفاق يعني أنها المرة الأولى التي تتحدث فيها الإدارة الأمريكية الجديدة عن تزويد أوكرانيا بأسلحة إضافية وفقاً للمادة السادسة من الاتفاق التي تنص على المساهمات في الشراكة، ويطرح للمرة الأولى مسألة إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وهو الهدف الرئيس الذي سعى بوتين إلى منعه منذ تولي الإدارة الجديدة السلطة، كما يرى سفير الولايات المتحدة السابق في كييف جون هيربست.

ومع توقيع الاتفاق، تنفس المسؤولون الأوكرانيون الصعداء بعدما وجدوا أنفسهم بين صد غزو شامل واجتياز طريق وعر مع واشنطن عبر مقترحات وقف إطلاق النار ومؤتمرات القمة والاجتماعات الشائكة، لينتهي بالرئيس زيلينسكي الحال إلى إبرام اتفاق يضعه في أقوى وضع مع واشنطن منذ تولي ترمب منصبه.

ليس هذا فحسب، إذ أظهر المسؤولون الأوكرانيون بقيادة زيلينسكي قدرتهم على المناورة والمثابرة للوصول في النهاية إلى اتفاق عادل، وعلى رغم الضغوط الهائلة من إدارة ترمب على كييف لقبول الاتفاقات السابقة، نجحت أوكرانيا في إثبات أنها ليست مجرد شريك صغير يجب أن يستسلم ويقبل بصفقة سيئة، فوضع المسؤولون الأوكرانيون مستقبل بلادهم في المقام الأول وتمكنوا من العمل الجاد للتوصل إلى اتفاق نهائي يمكن اعتباره فوزاً لكلا الجانبين.

وبينما تباطأت محادثات السلام، رفعت الولايات المتحدة جزئياً تعليقها للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، ووافقت على أول 50 مليون دولار من صادرات إدارة ترمب من الأسلحة إلى البلاد من خلال المبيعات التجارية المباشرة، مما يعد في حد ذاته أكبر نصر لزيلينسكي والأوكرانيين.

هل تنتهي الحرب؟

على رغم أن ترمب أمضى أشهراً يبحث عن نصر في أوكرانيا، حققه الآن، لكن إنهاء الحرب لن يحل بشراكة اقتصادية، فقد رفض بوتين مراراً وقف إطلاق النار لأن لديه سلسلة من المطالب الصعبة، وإذا كان البيت الأبيض يأمل حقاً في إبرام اتفاق سلام مع روسيا، فسيتطلب ذلك ممارسة ضغط فاعل على الكرملين من خلال مجموعة وسائل ألمح بها الأميركيون أخيراً من بينها العقوبات الجديدة التي أعدها الكونغرس، ومن خلال متابعة الدعم العسكري الجديد لأوكرانيا، لكن المشكلة الرئيسة الآن أن الرئيس بوتين الذي رفض قبل أسابيع المبادرة الأمريكية للسلام، قد يجد صعوبة أكبر الآن في قبولها بعد صفقة الشراكة الأمريكية- الأوكرانية لأنها تظهره في موقف ضعيف.

وبحسب ما صرح به مستشار سابق لترمب فإن صفقة المعادن الأمريكية- الأوكرانية تعد بمثابة فخ لروسيا لأنها تضع الأمريكيين في قلب الدولة الأوكرانية، وهذا فخ لن يجرؤ بوتين على تجاوزه، لكن المستشار السابق للكرملين سيرغي ماركوف يعتقد بأن الاتفاق بين واشنطن وكييف سيصعب على روسيا تحقيق أهدافها في أوكرانيا من خلال محادثات السلام لأن ترمب وضع آلية لتبرير الإنفاق الجديد على الحرب.

وفيما تقول موسكو إنها مستعدة لإجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا وإنها منفتحة على تسوية سلمية طويلة الأمد، وأعلن بوتين عن هدنة لوقف القتال 96 ساعة للاحتفال بالذكرى الـ80 لانتصار روسيا على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، إلا أن القضايا المطروحة معقدة للغاية لدرجة يصعب معها الحل السلمي السريع، كما أن إصرار بوتين على الاحتفال بذكرى النصر الروسي قبل ثمانية عقود، يحمل إشارة سلبية إلى أنه مستعد للقتال حتى النهاية كما فعل الاتحاد السوفياتي ضد ألمانيا النازية.

هل تصمد الصفقة؟

وعلى رغم التفاؤل الكبير بنجاح الصفقة في حلحلة مواقف كثيرة، فإن اتفاق الشراكة هذا يبدو من وجهة نظر بعضهم مثل كبيرة الباحثين في المجلس الأطلسي في واشنطن إد فيرونا، مرهق للغاية لدرجة أنه يعادل سرقة أموال الضحية الأوكرانية التي اعتُدي عليها في مواجهة هجوم عدو يفوقها بثلاثة أضعاف حجمها، بالتالي لم يكُن أمام أوكرانيا خيار سوى القبول بشروط تحولها إلى مستعمرة افتراضية لأمريكا، أو المخاطرة بإثارة عداوة من كان حتى وقت قريب أحد أقوى حلفائها.

وفي ظل هذه الظروف، حسم زيلينسكي أمره ووقع على الصفقة التي لا تزال تثير بعض الأسئلة المزعجة حول مدى قبول الرأي العام بها، ومدى إمكان التصديق عليها من البرلمان الأوكراني، وهو الهيئة التشريعية في أوكرانيا، حيث يحذر بعضهم من صعوبة قبول هذه الشروط غير المتساوية والاستغلالية من دون معارضة من مختلف الأطياف السياسية الأوكرانية.

وحتى إذا صُدق عليها بغالبية ضئيلة، فهل سيكون المستثمرون المحتملون على استعداد لالتزام مشاريع إذا ما ألغت حكومة مستقبلية صفقة فرضت بالإكراه، خصوصاً أن تاريخ صفقات الموارد المعدنية يقدم أسباباً كافية للشك بأن هذه الصفقة ستصمد جيداً خلال الفترة اللازمة عادة لتطوير مشاريع ضخمة وكثيفة رأس المال، مع فترات زمنية تصل إلى عقد من الزمن.

ومن المفارقات أن روسيا تقدم مثالاً على كيفية انهيار الصفقات المتعلقة بالموارد، حيث رفض نظام بوتين في وقت لاحق اتفاقات تقاسم الإنتاج التي وقعت خلال الفترة الانتقالية الصعبة في التسعينيات، مما أجبر الشركاء الغربيين على التنازل عن السيطرة وملكية الغالبية في المشاريع الكبرى، وهناك أمثلة أخرى كثيرة مماثلة في العالم النامي، مما قد يدفع قلة من المستثمرين الأمريكيين الجادين إلى المخاطرة بأموال مساهميهم بناء على مثل هذه الصفقة غير المتوازنة.

ومن المحتمل أن يركز التكنوقراطيون والأحزاب الأوروبية على مسألة الرقابة على الصفقة، في حين ستحاول الأحزاب الشعبية وعمليات التأثير الروسي إضفاء صورة ذهنية عن الصفقة في صورة أن زيلينسكي يبيع أراضي أوكرانيا المقدسة إلى الغرب المنحل.

ومع ذلك، يرجح ألا يهتم أي عنصر في البرلمان بهذه الحملات بالنظر إلى أن مؤيدي زيلينسكي في حزب الشعب يحتفظون بالتزاماتهم، ويمكنهم الاعتماد على الدعم من مجموعة من النواب المستقلين، ولهذا سيُصدق على الاتفاق عاجلاً وليس آجلاً.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI