يمثل ملف المختطفين والمعتقلين المدنيين لدى الأطراف في اليمن واحد من الملفات الشائكة منذ ثمان سنوات، ولم يشهد حلحلة عدا في إنجاح بعض عمليات الإفراج التي جاءت ضمن صفقات تبادل أسرى حرب مقابل معتقلين ومخفيين مدنيين بجهود محلية.
تحتضن سويسرا جولة جديدة من المفاوضات بشأن ملف الأسرى بين الحكومة اليمنية، المعترف بها، والحوثيين تحت رعاية الأمم المتحدة، إلا أن ملف المختطفين والمعتقلين لم يكن العنوان الأبرز حتى اللحظة، حيث تدور النقاشان بحسب تسريبات حول ما بات يعرف بـ (الكل مقابل الكل) وسط تجاذبات بين الطرفين، في خطوة تعد مخالفة للقوانين الدولية وتعمق من مأساة المختطفين والمختطفين.
في 2018 تشكلت لجنة لدعم أطراف النزاع في الوفاء بالتزاماتهم طبقًا لاتفاق ستوكهولم فيما يتعلق بـ "إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفيًا والمخفيين قسريًا.
التسريبات الأخيرة من داخل المفاوضات كشفت عن عملية تبادل قوائم بـ 2223 شخصا يتم بموجبها الإفراج عن 800 من القوات الحكومية والانتقالي، مقابل 800 أسير حوثي، بمقابل أن يفرج الحوثيون عن (19) عسكريا من التحالف (16 سعوديا و3 سودانيين) بالإضافة إلى وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي والجنرال ناصر منصور هادي، وعفاش طارق صالح و (محمد) شقيق طارق عضو المجلس الرئاسي؛ مقابل الإفراج عن 600 أسير حوثي.
وبحسب التسريبات يرفض الحوثيون الإفراج عن الصحفيين المعتقلين، ورفضوا الحديث أو النقاش حول الصحفيين في المفاوضات الجارية
دور الأمم المتحدة
منذ أن اكتظت السجون بآلاف المعتقلين والمختطفين لم يكن للأمم المتحدة دورا ملموسا في انهاء هذه المأساة الكبرى التي خلفت ضحايا مدنيين لا ناقة لهم ولا جمل، بل أن عداد المعتقلين لم يتوقف خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين يحتجزون آلاف المدنيين جرى اعتقالهم من منازلهم والشوارع والطرقات، ومارسوا التعذيب النفسي والجسدي والحرمان من الرعاية الصحية بحق المعتقلين.
حاول مبعوثو الأمم المتحدة المتعاقبون على هذه الوظيفة في اليمن تحريك المياه الراكد بملف المعتقلين والمختطفين، وجميعهم فشلوا في ذلك بل كانت لهم نداءات وبيانات متكررة للطرفين (الحكومة، الحوثيون) لإطلاق سراح المعتقلين وكذا أسرى الحرب، ونجحت في إطلاق عدد محدود مقارنة بالوساطات المحلية التي حققت نجاحا ملموسا في هذا الملف.
ومع جولة المفاوضات الجديدة التي انطلقت (يوم السبت 11 مارس 2023)، في سويسرا أظهر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ "أمله في أن تكون الأطراف على استعداد للانخراط في مناقشات جدية وصريحة للاتفاق على إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المحتجزين.
غروندبرغ لم يتحدث بصفة ومسؤولية تمثل أعلى هيئة دولية، بل وجه دعوة للأطراف المشاركة في المفاوضات يحثهم على الوفاء بما اتفقوا على الالتزام به تجاه بعضهم البعض، وأيضًا تجاه الآلاف من الأسر اليمنية التي طال انتظارها لعودة ذويها، وفق البيان الصادر من مكتبه بمناسبة بدء المفاوضات.
تجاوزات للقوانين الدولية
منذ بدء الحديث عن المعتقلين والمختطفين وحتى أسرى الحرب في اتفاق ستوكهولم بدأ يظهر للسطح توجه للحوثيين بإجراء صفقات التبادل مع الحكومة اليمنية، المعترف بها، بإدراج المدنيين الذين اُعتقلوا وأُختطفوا ضمن صفقات التي تشمل أسرى الحرب، وبنظر القوانين والمعاهدات الدولية مخالفة وانتهاك صاروخ يتجاوز حقوق من تعرضوا للاعتقال والاختطاف دون أي مسوغ قانوني.
وتنص المادة الثالثة من اتفاقية جنيف (1946) بشأن حماية المدنيين على: في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
1- الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
وبحسب المادة تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب (ب) أخذ الرهائن (ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة (د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2- يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.
في حين تُعرف اتفاقية جنيف في مادتها (4) أسرى الحرب بالأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو وهم النحو التالي:
1- أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة.
2- أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلا.
غياب رابطة أمهات المختطفين عن المفاوضات
رابطة أمهات المختطفين، منظمة حقوقية يمنية مستقلة، كما تعُرف نفسها، تعد المنظمة الأكثر تبنيا لقضايا المختطفين والمعتقلين والمطالبة بإطلاق سراحهم دون قيود أو شروط وتطالب بمحاسبة المنتهكين، وبالتزامن مع بدء جولة المفاوضات الجديد في سويسرا دعت الرابطة الوفدين بسرعة إطلاق المختطفين والمعتقلين، وطالبت بحل جذري للقضية ودون مماطلة.
وأكدت استعدادها لرفد طاولة المفاوضات الجارية بقوائم المختطفين والموثقين لديها كخطوة يمكن من خلالها حل الخلاف حول آلاف الأسماء من المدنيين المختطفين والمعتقلين والمخفيين قسراً.
رئيسة الرابطة أمة السلامة الحاج تحدثت لـ " يمن فريدم" عن مصير ملف المختطفين والمعتقلين في المفاوضات الجديدة، وقالت "إن مصير المختطفين والمعتقلين المدنيين مثل مصير باقي المحتجزين، لأن الحوثي يتعنت في عدم اطلاقهم ويتعامل معهم مثل أسرى الحرب".
رئيسة الرابطة كشفت في تصريحها عن رضوخ لاعتبار المختطفين والمعتقلين تعسفا كباقي المحتجزين الذي يشمل أيضا ويتم ادراجهم ضمن التبادل مع أسرى الحرب، ورأت أن هذه الطريقة هي الوحيدة التي يمكن أن يتم إطلاق سراحهم، بدلا من الفدية التي يطالب بها الحوثيون من الأهالي الذين لا يستطيعون دفعها لأنها مبالغ كبيرة كما تقول رئيس الرابطة.
وعند سؤالنا عن سبب غياب مشاركة الرابطة في المفاوضات أوضحت رئيس الرابطة أمة السلام الحاج بالقول: :" الرابطة لم تغب عن المفاوضات، وإنما هي حاضرة كمراقب ليس داخل المفاوضات لأنه لا يحق لنا ولم نُدعى، ومكتب المبعوث الأممي متكفل بهذا الأمر وهو الذي يقرر ولسنا نحن الذي ندعو أنفسنا".
وتابعت أمة السلام الحاج: " لم نشارك في المفاوضات لأننا لسنا طرف، نحن كمراقب فقط، نحن مع كل المدنيين الموجودين في اليمن، سواء عند الحوثي او الشرعية، ولذلك نحن في الموقف الوسط بين الجميع، نحن منظمة حقوقية تسعى لإخراج ابنائنا من داخل السجون وهذه المفاوضات احدى الطرق التي متاحة من قبل المجتمع الدولي بالنسبة لنا".
وأبدت موقف الرابطة من المفاوضات: " موقفنا من المفاوضات كرابطة أننا نشد على أيديهم ونحملهم المسؤولية ومتفائلين بهذه الانفراجة، وألا سنظل نتابع".
ودعت عبر " يمن فريدم " إلى تحمل المسؤولية أمام الجميع وذكرت في تصريحها: " ونقول عبر منصتكم إنه لابد أن يتحملوا هؤلاء المتفاوضين مسؤوليتهم أمام القانون والناس وأمام الجميع وأمام الأسر، يكفي ثمان سنوات العذاب وأبنائنا تحت الاعتقال والحبس والاختطاف والتعذيب والإخفاء القسري كل هذه الأمور التي يعاني منها هؤلاء المختطفين".
وشددت في حديثها على أن هذه الانتهاكات لا تسقط بمسألة التقادم أو السلام، واوجبت متابعة الجناة، وأن يكون هناك اعتبار للضحايا وتحقيق العدالة والانصاف لهم، مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن تكون هذه آخر فرصة لهؤلاء المتفاوضين لإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين وإلزامهم بحل سريع، كوها قضية إنسانية.
وذكرت رئيسة الرابطة أمة السلام الحاج في ختام حديثها أنه يجب إطلاق المعتقلين والمختطفين دون قيد أو شرط لأنهم مدنيين لم يشاركوا بصراعات ولا حروب، وتعتبر أن السلام يبدأ من قلوب الأمهات إذا ارادوا تحقيقه، كما تقول.
صحفيون يواجهون الإعدام
وبالتزامن مع جولة المفاوضات بين الحكومة والحوثيين أعربت نقابة الصحفيين اليمنيين في بيان أخير بإعطاء ملف الصحفيين المختطفين الأولوية والاهتمام، باعتبارهم مدنيون تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والتعسف، حيث حملت المبعوث الأممي إلى اليمن "شخصيا" المسؤولية في استمرار معاناة الصحفيين المختطفين وأهاليهم.
وجاء بيان النقابة في سياق المطالبات المتكررة لكافة الجهات والمنظمات المحلية والدولية بالتعاطي الجاد مع قضايا الصحفيين اليمنيين الذين يتعرضون للانتهاكات ودفعوا ثمنا باهظا منذ بدء الحرب، كحال (عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، وأكرم الوليدي) المحكوم عليهم بالإعدام في سابقة تستهدف حرية الصحافة والإعلام وتشكل عدوانا مستمرا على الحريات الصحافية وحرية الرأي والتعبير.
وطالبت بسرعة إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين لدى الحوثيين دون قيد أو شرط وإسقاط أحكام الإعدام الجائرة بحق الصحفيين الأربعة، وتؤكد موقفها الرافض لمساعي الجماعة بإخضاع الصحفيين لصفقات تبادل الأسرى أو وضع قضيتهم محط المساومة والابتزاز.
هشام طرموم صحفي ومعتقل سابق في سجون الحوثيين يقول في تصريحه لـ " يمن فريدم" إن الحوثيين يتخذون ملف المعتقلين ورقة ضغط وابتزاز سياسي بشكل عام والصحفيين بشكل خاص ويتعاملون مع القضية بطريقة مكنتهم من توظيف القضية في الضغط والابتزاز لأهالي الصحفيين والحكومة الشرعية.
ووصف المحاكمات التي تعرض لها هو وزملائه بالمحاكمات السياسية وأوضح في تصريحه: " سير المحاكمات التي أجرتها لنا جماعة الحوثي مع زملائنا الأربعة الذين لا يزالون في سجون الحوثي يواجهون أحكام الإعدام يؤكد على أنها محاكمات سياسية حيث وجهت لنا ونحن عشرة صحفيين ذات التهمة لكن الأحكام كانت مختلفة فقد قضى الحكم بالإعدام للأربعة الذين ما زالوا في السجن بينما صدر الحكم بخروجنا نحن الستة البقية مع بقائنا تحت الرقابة ولم يخرج إلا واحد هو صلاح القاعدي بينما الخمسة البقية تم إدراج اسمائنا ضمن صفة التبادل التي رعتها الامم المتحدة في أكتوبر2020 وابقت الزملاء الأربعة كورقة ضغط جديدة للمساومة بعد أن نجحت في المساومة بنا".
وعلق الصحفي طرموم على المفاوضات الجارية في سويسرا وقلل من عدالتها ،حيث قال :" بالنسبة للتفاوض الجاري والمفاوضات السابقة هي مفاوضات تفتقر لحيثيات العدالة حيث يتم مساومة مقاتلين بمختطفين مدنيين وهذا ما حدث معنا حينما خرجنا من سجون الحوثي، خرجنا مقابل مقاتلين من عناصر الحوثي وهذا ما يجعلنا نجدد العتب على الأمم المتحدة الراعية للمفاوضات في موافقتها على القبول والتماهي مع الحوثي في المساومة بإخراج صحفيين ومدنيين آخرين مقابل مقاتلين تم أسرهم من جبهات القتال والأصل أن يخرج المختطفين الصحفيين والمدنيين بشكل عام دون قيود وشروط ويتم التفاوض في المقاتلين من الجانبين".
يظل ملف المعتقلين والمختطفين معلقا بين طرفي الصراع في اليمن في ظل الدور غير المقنع للأمم المتحدة في جهودها لفصل هذا الملف عن ملف أسرى الحرب، واعطائه أولوية كونهم مدنيين لم يشتركوا في أي أعمال قتالية منذ بدء الحرب.